الموظفة: لا أفهم لماذا لا تريد البطاقة؟
- انا: لأنني لست بحاجة لها.
- لكن يمكنك أن تسحب منها حتى ثلاثة آلاف دولار لتفعل ما تشاء.
- لماذا أريد فعل شيء لا يمكنني أن أدفع ثمنه؟
- لا تعلم ما يمكن أن يحدث معك.
- لكنني أعرف نفسي ولا أستدين لكي أنفق على نفسي.
- لا أفهمك، إنها تفتح لك الكثير من الفرص ونحن نساعدك بها. هي تتيح لك أن تبقي أموالك في جيبك وأن تصرف من البطاقة حين تريد.
- لماذا أريد أن أبقي أموالي في جيبي وأن أنفق أموالاً هي قرض من البنك بفائدة؟ ما الذكاء بهذا التصرف؟
- لكنها تتيح لك أن تدفع وتتضبع وتخرج حتى ولو لم تكن تملك أي مال في جيبك!
- لكني لا أدفع وأتبضع وأخرج حين أكون مفلساً!
- ما المشكلة، هي تسهّل عليك الكثير من الأمور.
- الأمر بسيط، لا أريدها، ولا أحتاجها. أريد أن أبقى خارج السيستم المالي (الجملة الأخيرة خرجت من دون أن أفكّر مسبقاً بأنها ستكون أغرب شيء سمعته هذه الموظفة في حياتها).
(وجه موظفة البنك أصبح خالٍ من التعابير ويوحي بالشعور بالشفقة على الإنسان البسيط الواقف أمامها).
***
تبدّلت تعابير وجهها بطريقة غريبة حين قلت لها أنني لا أريد بطاقة الائتمان.
موظفة البنك التي تقف أمامي قضت نحو 15 عام في مجال المعاملات المالية ولم يمرّ معها أمر من هذا النوع.
“لكنها هدية من البنك”، كانت تقول هذه الجملة وملامحها تدلّ على أنها تشكّك بسلامتي العقلية.
لم تفهم ما الذي قد يدفع إنسان طبيعي في هذا العالم لرفض هدية من هذا النوع والبنك كان قدّمها لي بعدما وافق على إعطائي قرض منزلي هائل
يجعلني مديوناً له لثلاثون عام بالتمام والكمال. إذاً بالإضافة إلى قرض لثلاثون عام، وبالإضافة إلى أن البنك يمتلك المنزل الذي سأسكن فيه، هديته
هي عبارة عن بطاقة تجعلني، إن استخدمتها، مدين له بشكل أكبر.
رغم ذلك، لم تفهم الموظفة لماذا يمكن أن أرفض هكذا “هدية”.
في الفرع الذي تعمل فيه، هنالك عشرات الطلبات أسبوعياً من موظفين وعمّال وأصحاب شركات يريدون بطاقة إئتمان، ولا يوافق البنك عادة سوى على حفنة منها فحسب.
وبطاقة الائتمان، لمن لا يعلم، هي بطاقة بنكية الكترونية تخوّل صاحبها الدفع عبرها في أي مكان في العالم، حتى ولو لم يكن يمتلك أي قرش في حسابه أو في جيبه.
وبالتالي، مستخدم البطاقة يدفع من أموال البنك لا من أمواله الخاصة، ويجب عليه أن يردّ الأموال في الأشهر اللاحقة للبنك، مع فائدة طبعاً.
مبدأ بطاقة الائتمان إذاً هو أنها تتيح للأفراد أن ينفقوا أكثر من دخلهم، أن ينفقوا أموالاً لا يمتلكوها، ما أن تعصف بهم الرغبة بالاستهلاك.
والنتيجة النهائية هي أنها تجعلهم مدينين للبنك من اللحظة الأولى التي يستعملون بها البطاقة.
مبدأ بطاقة الائتمان اذاُ نابع من الرغبة بإعطاء الناس فرصة استهلاك العالم حتى ولو لم يمتلكوا الأموال الكافية للقيام بذلك.
هو مبدأ منافٍ للمنطق العقلي السليم بكل المعايير، بل هو طرح مجنون، لكن في عالمنا المقلوب رأساً على عقب، الجنون بالنسبة للغالبية
هو رفض بطاقات الائتمان لا إصدارها!
خرجت من البنك من دون بطاقة ائتمان، وكنت أفكّر في عقلي أنني نجوت بحرّيتي هذه المرّة (رغم القرض البشع على الجهة الأخرى من حياتي).
لكنني أدركت في تلك اللحظة كم أن السيستم الذي يتحكّم بحياتنا متغلغل في عقولنا ونفوسنا وقلوبنا لدرجة أننا لا نشعر أنه سيستم حاكم على الإطلاق،
معظمنا لا يلاحظونه أساساً لأنهم يعتقدون أن طريقة حياتنا الحالية هي من طبيعة الأمور وليست نتيجة هندسة مالية – اقتصادية – ثقافية قاتلة.
من الطبيعي أن تستغرب تلك الموظفة رفض أحدهم لبطاقة ائتمان، فالديون والإنفاق والاستهلاك والفائدة وكل ذلك هو من طبيعة الأمور بالنسبة لها،
مثل زرقة السماء وملوحة البحر. رفض أي أداة مالية (مثل بطاقة الائتمان) أو تكنولوجية (مثل الفايسبوك) هو بالنسبة لمجتمعنا كرفض لقانون من قوانين الطبيعة.
لذلك هذه الموظفة، والملايين غيرها ممن يشكلّون العامود الفقري للسيستم، لا يلاحظون نتائجه على الإطلاق. وإن تحدّثنا كيف أن
النظام الحالي يفرض عبوديّة قاسية على معظم البشرية، سيكون الكلام بالنسبة لهم غريباً وخارج المنطق.
منقول
- انا: لأنني لست بحاجة لها.
- لكن يمكنك أن تسحب منها حتى ثلاثة آلاف دولار لتفعل ما تشاء.
- لماذا أريد فعل شيء لا يمكنني أن أدفع ثمنه؟
- لا تعلم ما يمكن أن يحدث معك.
- لكنني أعرف نفسي ولا أستدين لكي أنفق على نفسي.
- لا أفهمك، إنها تفتح لك الكثير من الفرص ونحن نساعدك بها. هي تتيح لك أن تبقي أموالك في جيبك وأن تصرف من البطاقة حين تريد.
- لماذا أريد أن أبقي أموالي في جيبي وأن أنفق أموالاً هي قرض من البنك بفائدة؟ ما الذكاء بهذا التصرف؟
- لكنها تتيح لك أن تدفع وتتضبع وتخرج حتى ولو لم تكن تملك أي مال في جيبك!
- لكني لا أدفع وأتبضع وأخرج حين أكون مفلساً!
- ما المشكلة، هي تسهّل عليك الكثير من الأمور.
- الأمر بسيط، لا أريدها، ولا أحتاجها. أريد أن أبقى خارج السيستم المالي (الجملة الأخيرة خرجت من دون أن أفكّر مسبقاً بأنها ستكون أغرب شيء سمعته هذه الموظفة في حياتها).
(وجه موظفة البنك أصبح خالٍ من التعابير ويوحي بالشعور بالشفقة على الإنسان البسيط الواقف أمامها).
***
تبدّلت تعابير وجهها بطريقة غريبة حين قلت لها أنني لا أريد بطاقة الائتمان.
موظفة البنك التي تقف أمامي قضت نحو 15 عام في مجال المعاملات المالية ولم يمرّ معها أمر من هذا النوع.
“لكنها هدية من البنك”، كانت تقول هذه الجملة وملامحها تدلّ على أنها تشكّك بسلامتي العقلية.
لم تفهم ما الذي قد يدفع إنسان طبيعي في هذا العالم لرفض هدية من هذا النوع والبنك كان قدّمها لي بعدما وافق على إعطائي قرض منزلي هائل
يجعلني مديوناً له لثلاثون عام بالتمام والكمال. إذاً بالإضافة إلى قرض لثلاثون عام، وبالإضافة إلى أن البنك يمتلك المنزل الذي سأسكن فيه، هديته
هي عبارة عن بطاقة تجعلني، إن استخدمتها، مدين له بشكل أكبر.
رغم ذلك، لم تفهم الموظفة لماذا يمكن أن أرفض هكذا “هدية”.
في الفرع الذي تعمل فيه، هنالك عشرات الطلبات أسبوعياً من موظفين وعمّال وأصحاب شركات يريدون بطاقة إئتمان، ولا يوافق البنك عادة سوى على حفنة منها فحسب.
وبطاقة الائتمان، لمن لا يعلم، هي بطاقة بنكية الكترونية تخوّل صاحبها الدفع عبرها في أي مكان في العالم، حتى ولو لم يكن يمتلك أي قرش في حسابه أو في جيبه.
وبالتالي، مستخدم البطاقة يدفع من أموال البنك لا من أمواله الخاصة، ويجب عليه أن يردّ الأموال في الأشهر اللاحقة للبنك، مع فائدة طبعاً.
مبدأ بطاقة الائتمان إذاً هو أنها تتيح للأفراد أن ينفقوا أكثر من دخلهم، أن ينفقوا أموالاً لا يمتلكوها، ما أن تعصف بهم الرغبة بالاستهلاك.
والنتيجة النهائية هي أنها تجعلهم مدينين للبنك من اللحظة الأولى التي يستعملون بها البطاقة.
مبدأ بطاقة الائتمان اذاُ نابع من الرغبة بإعطاء الناس فرصة استهلاك العالم حتى ولو لم يمتلكوا الأموال الكافية للقيام بذلك.
هو مبدأ منافٍ للمنطق العقلي السليم بكل المعايير، بل هو طرح مجنون، لكن في عالمنا المقلوب رأساً على عقب، الجنون بالنسبة للغالبية
هو رفض بطاقات الائتمان لا إصدارها!
خرجت من البنك من دون بطاقة ائتمان، وكنت أفكّر في عقلي أنني نجوت بحرّيتي هذه المرّة (رغم القرض البشع على الجهة الأخرى من حياتي).
لكنني أدركت في تلك اللحظة كم أن السيستم الذي يتحكّم بحياتنا متغلغل في عقولنا ونفوسنا وقلوبنا لدرجة أننا لا نشعر أنه سيستم حاكم على الإطلاق،
معظمنا لا يلاحظونه أساساً لأنهم يعتقدون أن طريقة حياتنا الحالية هي من طبيعة الأمور وليست نتيجة هندسة مالية – اقتصادية – ثقافية قاتلة.
من الطبيعي أن تستغرب تلك الموظفة رفض أحدهم لبطاقة ائتمان، فالديون والإنفاق والاستهلاك والفائدة وكل ذلك هو من طبيعة الأمور بالنسبة لها،
مثل زرقة السماء وملوحة البحر. رفض أي أداة مالية (مثل بطاقة الائتمان) أو تكنولوجية (مثل الفايسبوك) هو بالنسبة لمجتمعنا كرفض لقانون من قوانين الطبيعة.
لذلك هذه الموظفة، والملايين غيرها ممن يشكلّون العامود الفقري للسيستم، لا يلاحظون نتائجه على الإطلاق. وإن تحدّثنا كيف أن
النظام الحالي يفرض عبوديّة قاسية على معظم البشرية، سيكون الكلام بالنسبة لهم غريباً وخارج المنطق.
منقول
Comment