تقع في أوساط لمومسات %15 من عمليات الانتحار التي توردها تقارير المستشفيات الأمريكية
هناك علاقة عضوية بين الفقر و استغلال القاصرات و المهمشات اجتماعياً في هذه الصناعة
في كندا فإن النساء والفتيات اللاتي يتم تشغيلهن في البغاء ,يتعرضن لنسبة وفاة تفوق بأربعين مرة المعدل الوطني
في أوريا الغربية,فأكثر من %70 من المومسات هن أجنبيات.وفي بعض الدول,مثل اليونان والنمسا,تصل هذه النسبة إلى %90 بينما تبلغ في بلجيكا 80%.
إن « صناعة الترفيه» هذه,تقوم على الانتهاك المنظم لحقوق الإنسان.فالتصنيع الحالي للدعارة,الذي يسعى لتحقيق كل شيء باستثناء سعادة الكائنات البشرية,يدمر بشكل مكثف كثيرا من النساء والأطفال.ويعاملهم كحيوانات لتحقيق اللذة وكآلات للربح وينظمهم بطريقة تجعل مردوديتهم الجنسية تصل إلى حدها الأقصى.وهذه التجارة تجند عددا كبيرا من السكان وتدر أرباحا باذخة يعاد توظيفها في الاقتصاد العالمي.وليس من قبيل المصادفة أن تمس هذه التجارة النساء والأطفال بالخصوص.والواقع أن التفسير « الاقتصادي» يقلل من أهمية حقيقة أن هذه الصناعة تشتغل لصالح رجال ونظام من الهيمنة الذكورية.إن كل ما يتعلق بما ينتجه المجتمع من تمييز,يخضع تحت تأثير هذه الصناعة إلى التضخم.والنساء والأطفال هم الفئات المستهدفة.والأشخاص الذين يلجون عالم الدعارة,يأتون من الطبقات الاجتماعية المحرومة,ذات الدخل الضعيف والمحدود,ومن الأقليات العرقية,وجماعات السكان الأصليين ومن اللاجئين والمهاجرين السريين ومن دول العالم الثالث ومن الدول التي تتعرض بنياتها للاهتزاز بسبب الانتقال الكارثي إلى اقتصاد السوق.وهؤلاء المستقطبين لممارسة البغاء,هم أيضا أشخاص ذوو مستوى تعليمي متواضع جدا,أو فتيات هاربات أو أفراد تعرضوا للاستغلال الجسدي أو السيكولوجي أو الجنسي في طفولتهم.وهم غالبا ما يستقطبون في سن مبكر
نخاسة الكائنات الإنسانية,الجريمة المنظمة والسوق
من المستحيل الخوض في قضية نخاسة النساء والأطفال,التي تعتبر أحد العوامل الرئيسية المحركة لنظام القوادة العالمية الراهنة في مجال البغاء,دون تحليل الاقتصاد والنظام المالي المافيوزي.فالتكاثر المهول في عدد وأنواع المنظمات والمسارب الإجرامية في العالم بأسره,يعتبر مثيرا حقا للدهشة:وفق "سابين دوش" (2002),يصل عدد الشبكات العالمية الأكثر كفاءة (أي القادرة على تدبير مجموع عمليات القوادة من البداية إلى النهاية),نحو خمسين شبكة حول العالم.وحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية,فإن الناتج الإجرامي العالمي الخام يصل إلى 1200 مليار دولار في السنة ويمثل 15% من حجم التجارة العالمية.وتؤكد كل الدراسات أن الجريمة المنظمة بدأت تلعب دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي منذ أن تم تحرير الأسواق ورأسملتها.لقد أدرجت العولمة في الأسواق,نموا وتعددا لأشكال الإجرام التي تستغل التفتت الاجتماعي والاقتصادي للمناطق برمتها.
لقد أبدت العولمة ميلا إلى تذويب الحدود الفاصلة بين الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة:كل شيء في الاقتصاد المالي والمضارباتي يساهم اليوم في الدفع بالمجرمين الاقتصاديين إلى التخلي عن الأنشطة الفردية التي كانوا يتعاطون لها كيفما اتفق,والانخراط في المقابل في الصفقات المنظمة والدائمة.إن التجارة المتزايدة وتحرير الأسواق,لا تسهل الصفقات القانونية فحسب,بل تسهل الصفقات غير القانونية أيضا,لدرجة دفعت البعض إلى التساؤل حول ما إذا لم يكن الإجرام الاقتصادي قد أصبح « مكونا جوهريا في النظام الرأسمالي لعالمنا».
كثيرون هم الذين يؤكدون أنه فيما يتعلق بنخاسة الكائنات الإنسانية لصالح نظام الدعارة,ينبغي تحليل القضية من زاوية مصطلحات السوق ومفاهيمه.فإذا كان البعض يرى أن نشاط المتاجرة العالمية في النساء والأطفال من أجل غايات جنسية,يشبه من حيث جوهره كل الأنماط الأخرى من التجارة غير الشرعية,فإن البعض الآخر يرى أن منطق السوق – سواء كان قانونيا أو لا- هو الذي يفسر حيوية هذا « القطاع » الاقتصادي المتمثل في الدعارة.وفي كل الأحوال,يظل سوق الدعارة هذا,خاضعا في مجمله,إن لم يكن في كليته,لنفوذ العصابات المنظمة.إن خطط التقويم الهيكلي وإعادة النظر في آليات الحماية الاجتماعية والخدمات العمومية في مجال التعليم والصحة,أدت إلى الرفع من كثافة ضغط الهجرة.وقد استفادت الكثير من الجماعات بما فيها المنظمات الإجرامية,من الصيرورات الاجتماعية التي تلاحقت بفعل تزايد التفاوتات الاجتماعية ومظاهر الفقر.والنتيجة هي أن المنظمات الإجرامية أصبحت تهيمن على نخاسة البشر لصالح نظام الدعارة الذي يقع تحت مراقبتها.ويمكن القول إن عولمة الدعارة لم يكن بإمكانها أن تتحقق إلا عبر عولمة نظام القوادة.
وعلى هذا الأساس,فإن هذه السوق مشروطة بلعبة العرض والطلب.ومن هذا المنطلق,أثار وزير العدل الهولندي,في سنة 2000,ضرورة تخصيص حصة قانونية لـ « ممتهنات الجنس» الأجنبيات,ما دام أن سوق الدعارة « يتطلب» تنوعا في « الأجساد المعروضة للبيع».وبالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن العرض والطلب هما المنظمان لأسواق هجرة البشر,فإن ما يمثل مشكلة بالنسبة للنساء المتورطات في هذا النوع من النخاسة, « ليس هو العمل أو الخدمات في حد ذاتها (الدعارة,الزواج أو العمل داخل البيوت),بل المشكلة تتمثل في الطريقة الخاصة التي تتحكم في تنظيم هذا النوع من الخدمات (سواء على مستوى التشغيل أو على مستوى ظروف العمل):إنها طريقة التعاقد تحت طائلة الإكراه».وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي,فإن المشكل يتمثل إذن في ظروف هذا النوع من التجارة,وليس في الاتجار (القسري) بالنساء والأطفال1.ومعنى هذا أن التمييز بين « المتطوع » و « المجبر»,هو أساس هذه الإشكالية في رأيهم:فالدعارة لا تعتبر في حد ذاتها نوعا من العنف ضد النساء,بل هي بمثابة مهنة موصومة بالعار وتحتاج بالتالي إلى إعادة رد الاعتبار.أما المرأة التي تمارس الدعارة,فهي في رأيهم « ممتهنة جنس».والواقع أن هذا الموقف الليبرالي,يحظى بدعم المنظمات العالمية والأوربية.
لكن منطق السوق لا يختزل فقط في قانون العرض والطلب,لأن هذا «القانون» المرتبط بالاقتصاد الليبرالي لا يمكن أن يفسر كل شيء حول كيفية عمل المجتمعات الحالية2.فالسوق هو مجال تبادل البضائع,وكل بضاعة – سواء كانت منفعة أو خدمة- هي بضاعة مُنْتَـجَة.إن هذا المظهر يعتبر جوهريا في فهم الدينامية الحالية للسلعنة البغائية على المستوى العالمي.ورغم ذلك فقليلون هم المحللون الذين يؤمنون بجدوى استخلاص نتائج اجتماعية واقتصادية من قضية التأكيد على أن الاتجار في النساء والأطفال لغايات جنسية,هي قضية خاضعة لمنطق السوق.القليل منهم فكروا فعلا في السؤال التالي:كيف يتحول ما لا ليس بضاعة في الأصل,إلى بضاعة؟.
سلعنة الكائنات الإنسانية
إن تحويل النشاط الإنساني إلى سلعة يعتبر أحد خصائص نمط الإنتاج الرأسمالي.فالبضاعة – التي تعتبر في نفس الوقت منتوجا ووسيلة لاكتساب المال- تخضع في النظام الرأسمالي إلى صيرورة صناعية,أي إلى صيرورة إنتاج لا « حدود » له (وفق تعبير ريكاردو).في العولمة النيو ليبرالية الحالية,لا شيء يبدو قادرا على الإفلات من صيرورة السلعنة ومن منطق « تحويل العلاقات الاجتماعية إلى قيمة نقدية».وتتمثل إحدى تأثيرات تحول كل شيء إلى قيمة نقدية,في قيام السوق على أساس « إلغاء الإخصاء » الاجتماعي,وفق تعبير عالم الاجتماع كارل بولانيي.ومعنى هذا أن تعميق منطق السلعنة,يؤدي إلى التدمير المنظم للعلاقات الاجتماعية السابقة,وذلك لصالح علاقات جديدة تضفي المشروعية على الملكية الخاصة التي تمثل في العمق جوهرها.إن صيرورة السلعنة هذه تتم مقابل ثمن متمثل في حدوث ضغط وعنف كبيرين,ومتمثل بالإضافة إلى ذلك في المسخ الذي يتحول ضمنه الإنسان إلى بضاعة.فالتملك الخصوصي للأجساد,وتحويلها إلى بضائع3 ثم استهلاكها,بكل الصيغ والأشكال,كل ذلك يتطلب استعمال العنف.ومعنى هذا أن الإكراه يعتبر عاملا تكوينيا متدخلا بقوة في سلعنة الكائنات الإنسانية وأجسادها,وغالبا ما يمارس هذا الإكراه من طرف المنظمات المافيوزية.
يوجد اليوم تصاعد قوي للدعارة في كل مكان من العالم.وتقدر "سابين دوتش" أن ممارسة الدعارة تدر رقم معاملات عالمي بقيمة 60 مليار يورو.وفي سنة 1998 قدرت الأمم المتحدة أن أربعة ملايين من الأشخاص سنويا,يتحولون إلى موضوع متاجرة,وهو ما يدر ما بين خمسة وسبعة ملايير دولار أمريكي لصالح الجماعات الإجرامية.وتؤكد الأمم المتحدة أن عدد النساء اللاتي يمثلن ضحايا النخاسة الجنسية,يتجاوز بكثير عدد النساء اللاتي يخضعن للاتجار لغايات استغلالهن في أعمال البيوت أو اليد العاملة الرخيصة.
الملايين من النساء والأطفال يتحولون إلى موضوع للتداول في السوق العالمية للدعارة والخلاعة,ويصبحون بالتالي بضائع في أيدي نظام القوادة.ووفقا للأمم المتحدة,فإن نخاسة النساء والأطفال لغايات «الاستغلال الجنسي » – في السنوات الثلاثين الأخيرة,وفي آسيا وحدها- أوقعت ثلاثين مليون ضحية في شباكها.إن الأسواق الجنسية,التي تعتبر شرعية وغير شرعية في نفس الوقت (هذان المظهران مترابطان بقوة ويتغذى أحدهما من الآخر),تصدر عن منطق صناعي,منطق الإنتاج بالجملة,وهو ما يحتم تحليل هذه القضية في ضوء مقتضيات تتعالى عن المظهر التجاري الصرف للمسألة.إن الدقة تتطلب القول إن هذه الصناعة المرتبطة بالتجارة الجنسية,لا تقتصر على تزويد السوق بالنساء والأطفال فحسب,بل تقوم بموازاة مع ذلك,بـ « إنتاج» هذه البضائع.
إن هؤلاء النساء والأطفال,من حيث كونهن بضائع,يمثلن – في رأي مالكيهن- فائدة مزدوجة:هذه الكائنات تمثل قيمة مالية وقيمة خدماتية في نفس الوقت.ولكي نعبر عن ذلك بدقة أكبر,إن إحدى السمات الحالية للعولمة,لا تتمثل في سلعنة الجسد من حيث هو جنس فقط,بل تتمثل أيضا في سلعنة النساء والأطفال أنفسهن.إننا إذن أمام سلعنة مضاعفة.
وهذه البضائع تباع في الأسواق المحلية,ثم الأسواق الإقليمية والدولية,وتتبع في ذلك نوعا من سلسلة التوزيع التي تنطلق – بشكل عام- من مناطق ذات تمركز ضعيف لرؤوس الأموال,نحو مناطق ذات تمركز قوي للأموال.وهكذا هناك تقديرات تقول إنه منذ بداية التسعينيات,خضعت 200000 امرأة وشابة من بنغلاديش للترحيل إلى باكستان من أجل ممارسة الدعارة.بينما يعتبر ما بين 20000 و 30000 من المومسات في التايلاند,من أصول قادمة من ماينمار.وتقدر إحدى الدراسات التي نشرتها المنظمة الدولية للشغل,أن أكثر من 150000 من المومسات في اليابان,هن من أصول غير يابانية.فخمسون في المائة منهن آتيات من الفيليبين,و 40% منهن قادمات من التايلاند.وفي كل سنة,ينتقل ما بين 5000 و 7000 من النساء الشابات من النيبال إلى الهند من أجل ممارسة الدعارة,وذلك عبر قنوات الاتجار في النساء.و هناك 20000 من المومسات النيباليات,اللاتي يقل عمر أغلبهن عن ثماني عشرة سنة,تمارسن البغاء في الشوارع الهندية.أما في أوريا الغربية,فأكثر من %70من المومسات هن أجنبيات.وفي بعض الدول,مثل اليونان والنمسا,تصل هذه النسبة إلى %90 بينما تبلغ في بلجيكا 80%.
إن عمليات البيع والشراء المتتابعة للنساء والأطفال,تمثل عملا « عديم الرحمة »: « [...] مهربون رومانيون [...] يبيعون في المزاد نساء أوكرانيات وبلغاريات وروسيات»,فيشتريهن مهربون صربيون ويمارسون عليهن التعذيب والاغتصاب,قبل أن ينقلوهن إلى ألبانيا,حيث يتم تسليمهن إلى أحد أقسى شبكات المافيا.وقد أشارت التحقيقات الأخيرة التي انصبت على موضوع تهريب النساء والأطفال من دول الشرق ومن أمريكا اللاتينية أو آسيا,إلى وجود وضعيات غير إنسانية,حيث تتعرض كائنات إنسانية إلى الاختطاف والاستعباد,لدرجة أن بعضهم يتعرض للتصفية من أجل أن يكون عبرة للآخرين الذين سيتم بيعهم لشبكات الدعارة المختلفة.
والحقيقة أن الدعارة ليست مجرد تجارة,بل هي صناعة4.فمنذ السنوات الثلاثين الأخيرة,كان أكبر التحولات مأساوية في التجارة الجنسية,هو بالضبط تحويلها إلى صناعة وتعميهما ونشرها بالجملة على الصعيد العالمي.وهذه الصناعة تتطلب فاعلين قادرين على تنظيمها:إنهم وسطاء القوادة المنظمين ضمن شبكات إجرامية منتشرة على مدار الكرة الأرضية.فهؤلاء الوسطاء يباشرون عمليات الاستقطاب والنقل والبيع.وهو ما يتطلب وجود تواطؤات في كل مكان,ووسائل هائلة وأرباح خيالية.إن السلاسل الفندقية العالمية وشركات الطيران والصناعة السياحية,تستفيد بشكل واسع جدا من الصناعة البغائية ومن نظام القوادة المرتبط بها.بل حتى الحكومات نفسها تستفيد من ذلك:في سنة 1998,قدرت المنظمة الدولية للعمل أن الدعارة تمثل ما بين 2% و 14% من الناتج الداخلي الخام للتايلاند وأندونيسيا وماليزيا والفيليبين.والصناعة الجنسية تمثل 5% من الاقتصاد الهولندي.وفي سنة 1995,قدرت مداخيل الدعارة في التايلاند بما يعادل 59% إلى 60% من ميزانية الحكومة.و لهذا السبب قامت الحكومة التايلاندية,في سنة 1987, بالترويج للسياحة الجنسية باستعمال هذه الكلمات: « الفاكهة التايلاندية الوحيدة الأكثر لذة من فاكهة الدوريان [نوع من الفاكهة المحلية], هي نساء التايلاند».
إن تحويل التجارة الجنسية إلى صناعة,وعولمة نظام القوادة,يمثلان العاملين الجوهريين الذين يجعلان الدعارة المعاصرة مختلفة كيفيا عن الدعارة المرتبطة بالعصور السابقة.فالمستهلكون بإمكانهم اليوم الحصول – عبر العالم-على أجساد « إكزوتيكية» exotique وشابة بل وصغيرة السن جدا.والأكثر من ذلك أن بإمكانهم الحصول على هذه الأجساد دون أن يكونوا مضطرين لمغادرة بلدانهم5.إن الصناعة البغائية متعددة الأشكال والألوان,متطورة ومتخصصة:ففي إمكانها أن تستجيب لكل أنواع الطلبات.والواقع أن « دمقرطة» السياحة وتحويلها إلى نشاط جماهيري,ساهما كيفيا في تغيير معطيات هذه القضية.كما أن التكنولوجيات الجديدة:الأنترنت والتيلفون « الوردي» إلخ ,تساهم أيضا بفعالية في انتشار نخاسة النساء والأطفال لغايات جنسية.
صناعة عالمية في طور الازدهار
خلال العقود الثلاثة الأخيرة,شهدت دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية,تزايدا خارقا للدعارة.ومنذ ما يزيد قليلا عن العقد من الزمن,ظهر هذا التزايد أيضا في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوربا الشرقية والوسطى.أما في هولندا,فمنذ أن أصبحت ممارسة الدعارة –في سنة 2002- صناعة معترف بها قانونيا,شهدت نموا يصل إلى 25% .والواقع أن تحويل التجارة الجنسية إلى صناعة,ينطوي على تطوير إنتاج بالجملة للممتلكات والخدمات الجنسية التي تؤدي إلى تقسيم إقليمي ودولي للعمل.فهذه الصناعة التي تنتشر في سوق معولمة,يدخل تحت مظلتها المستوى المحلي والمستوى الإقليمي في نفس الوقت.وهناك الملايين من النساء والمراهقين والأطفال الذين يعيشون اليوم في المناطق « الساخنة» من عواصم بلدانهم أو عواصم البلدان المجاورة.ويقدر عدد النساء اللاتي تمارسن الدعارة في التايلاند,حوالي مليونين,نصفهن كان ضحية للتهريب بتواطؤ مع الأقاليم الجنوبية للصين واللاووس والفييتنام وميانمار.وهناك ما بين 40000 و 50000 من النساء اللاتي تمارسن الدعارة في الفيليبين,و65000 في أندونيسيا,وعشرة ملايين في النهد,و142000 في ماليزيا, 70000 في الفييتنام,ومليون في الولايات المتحدة,وما بين 50000 و 70000 في إيطاليا,و30000 في هولندا,و20000 في ألمانيا.وقد قدر "أكيرمان" و"فيلتر" في بداية التسعينيات,أن النساء اللاتي يمارسن الدعارة في ألمانيا,يبعن « خدمات جنسية » لمليون ونصف من الزبناء يوميا.
أما صناعة الدعارة المرتبطة بالأطفال,فإنها تستغل 400000 طفل في الهند,و100000 طفل في الفيليبين,وما بين 200000 و 300000 في التايلاند,و100000 في الطايوان,وما بين 244000 و 325000 طفل في الولايات المتحدة.أما في الصين الشعبية,فيقدر عدد الأطفال الذين يمارسون الدعارة ما بين 200000 و 500000.وما يقرب من 35% من أطفال الدعارة في الكامبودج,تقل أعمارهم عن سبع عشرة سنة.وتقدر بعض الدراسات أن الطفل الذي يمارس الدعارة,يبيع خدماته لـ 2000 رجل,خلال سنة واحدة.وهناك تقرير للمجلس الأوربي,يقدر أن 100000 طفل من أوربا الشرقية,يمارسون الدعارة في أوربا الغربية.
وبموازاة مع ازدهار الدعارة المحلية المرتبطة بالهجرة من القرية نحو المدن,هناك مئات الألوف من النساء الشابات والأطفال الذين ينقلون إلى المراكز الحضرية في اليابان وأوربا الغربية وأمريكا الشمالية من أجل « تقديم خدمات جنسية» لعدد كبير من الزبناء الذكور.والواقع أن هذا النوع من عمليات الهجرة من القرية إلى المراكز القريبة أو البعيدة,لا يبدو أنه يتراجع أو يقل.بل على العكس من ذلك,كل المؤشرات تدل على تزايده.ونموذج هولندا يمثل مؤشرا واضحا على التطور المتزايد للصناعة الجنسية:2500 مومس سنة 1981, و10000 سنة 1985,و20000 سنة 1989,و30000 سنة 1997.لقد أصبحت هولندا مكانا مفضلا للسياحة الجنسية العالمية.ففي العاصمة أمستردام,التي يوجد بها 250 وكرا للدعارة, %80 من المومسات تنتمين لأصول أجنبية,و%70 منهن لا يتوفرن على الأوراق الرسمية للإقامة,مما يدل بدون شك على أنهن كن ضحايا عملية تهريب.وعلى هؤلاء المومسات أن يكترين المقصورات التي يعرضن فيها أنفسهن,والتي تكلفهن حوالي 90 دولارا يوميا.ويتلقين ما بين 10 و24 زبونا مما يتطلب منهن العمل لمدة زمنية تتراوح بين 12 ساعة و17 ساعة يوميا*.وفي سنة 1960,كانت نسبة %95 من المومسات في هولندا,من جنسية هولندية,أما في سنة 1999, فلم تتجاوز نسبتهن 25 %. وحين نتحدث عن المومسات الأجنبيات,فإن الأمر له علاقة بنخاسة الكائنات الإنسانية.وهو ما يعني بكل وضوح أن هذه النخاسة هي نخاسة منظمة. إن منظمة وسطاء الدعارة,هي أكبر من يوفر الخدمات لنوادي الجنس وأوكار الدعارة التي يبلغ عددها 700 في هولندا,التي أصبحت فيها الدعارة قانونية منذ 1 أكتوبر 2000.والواقع أن هذه المصادقة القانونية على الدعارة,كان من المفروض أن تستفيد منها المومسات في المقام الأول,لكن ذلك لم ينجح ما دام أن 4% منهن فقط,هن اللاتي تقدمن إلى السلطات من أجل تسجيل أسمائهن.أما الذين كانوا يروجون للاعتراف القانوني بالدعارة في أوستراليا,فقد كانوا يعتقدون أن من شأن ذلك أن يحل المشاكل ويتيح مراقبة الجريمة المنظمة المرتبطة بصناعة التجارة الجنسية,ومراقبة التطور اللامتوازن لهذه الصناعة وللعنف الذي يمارس في حق المومسات اللاتي يمارسن عملهن في الشارع.إلا أن هذا الاعتراف القانوني بالدعارة,لم يأت بحل لأي من هذه المشاكل,بل الأكثر من ذلك أنه أدى إلى ظهور مشاكل جديدة.ومن بين هذه المشاكل,عرفت دعارة الأطفال في المناطق التابعة لحكومة أوستراليا,نموا مأساويا بالمقارنة مع المناطق التابعة للحكومات التي لا تعترف قانونيا بالدعارة,فعدد أوكار الدعارة لم يتضاعف ثلاث مرات فقط,بل إن كل وكر من هذه الأوكار عرف تطورا أكثر من السابق.والأكثر من ذلك أن عدد الأوكار غير القانونية,تجاوز بكثيرعدد الأوكار القانونية.وقد أدى ذلك بالتالي إلى التزايد الملموس لنخاسة النساء والأطفال القادمين من البلدان الأخرى.
إن نخاسة النساء والأطفال لغايات جنسية في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا,تقدر بـ40000 شخص في السنة.وتأتي الدول المستقلة التي كانت تنتمي للاتحاد السوفياتي سابقا,ودول أوربا الشرقية والوسطى,في المرتبة الثانية من حيث الأهمية (175000 شخص في السنة).ثم تأتي أمريكا اللاتينية وجزر الكاراييب (حوالي 100000 شخص في السنة) وإفريقيا (50000 شخص).وتقدر المنظمة العالمية للهجرة أن 120000 من النساء والأطفال يخضعون للتهريب لغايات الدعارة,باتجاه الاتحاد الأوربي,وخاصة عبر دول البلقان.
والواقع أن هذه الصورة ستظل غير كاملة إن نحن لم ندخل في اعتبارنا صناعة الأفلام الخليعة,وذلك لأن مسارب الخلاعة تتداخل في أغلب الأحيان مع مسارب الدعارة 6 .ووفق "سابين دوتش",يصل رقم المعاملات العالمي لأفلام الخلاعة إلى حوالي 52 مليار يورو.
هناك علاقة عضوية بين الفقر و استغلال القاصرات و المهمشات اجتماعياً في هذه الصناعة
في كندا فإن النساء والفتيات اللاتي يتم تشغيلهن في البغاء ,يتعرضن لنسبة وفاة تفوق بأربعين مرة المعدل الوطني
في أوريا الغربية,فأكثر من %70 من المومسات هن أجنبيات.وفي بعض الدول,مثل اليونان والنمسا,تصل هذه النسبة إلى %90 بينما تبلغ في بلجيكا 80%.
إن « صناعة الترفيه» هذه,تقوم على الانتهاك المنظم لحقوق الإنسان.فالتصنيع الحالي للدعارة,الذي يسعى لتحقيق كل شيء باستثناء سعادة الكائنات البشرية,يدمر بشكل مكثف كثيرا من النساء والأطفال.ويعاملهم كحيوانات لتحقيق اللذة وكآلات للربح وينظمهم بطريقة تجعل مردوديتهم الجنسية تصل إلى حدها الأقصى.وهذه التجارة تجند عددا كبيرا من السكان وتدر أرباحا باذخة يعاد توظيفها في الاقتصاد العالمي.وليس من قبيل المصادفة أن تمس هذه التجارة النساء والأطفال بالخصوص.والواقع أن التفسير « الاقتصادي» يقلل من أهمية حقيقة أن هذه الصناعة تشتغل لصالح رجال ونظام من الهيمنة الذكورية.إن كل ما يتعلق بما ينتجه المجتمع من تمييز,يخضع تحت تأثير هذه الصناعة إلى التضخم.والنساء والأطفال هم الفئات المستهدفة.والأشخاص الذين يلجون عالم الدعارة,يأتون من الطبقات الاجتماعية المحرومة,ذات الدخل الضعيف والمحدود,ومن الأقليات العرقية,وجماعات السكان الأصليين ومن اللاجئين والمهاجرين السريين ومن دول العالم الثالث ومن الدول التي تتعرض بنياتها للاهتزاز بسبب الانتقال الكارثي إلى اقتصاد السوق.وهؤلاء المستقطبين لممارسة البغاء,هم أيضا أشخاص ذوو مستوى تعليمي متواضع جدا,أو فتيات هاربات أو أفراد تعرضوا للاستغلال الجسدي أو السيكولوجي أو الجنسي في طفولتهم.وهم غالبا ما يستقطبون في سن مبكر
نخاسة الكائنات الإنسانية,الجريمة المنظمة والسوق
من المستحيل الخوض في قضية نخاسة النساء والأطفال,التي تعتبر أحد العوامل الرئيسية المحركة لنظام القوادة العالمية الراهنة في مجال البغاء,دون تحليل الاقتصاد والنظام المالي المافيوزي.فالتكاثر المهول في عدد وأنواع المنظمات والمسارب الإجرامية في العالم بأسره,يعتبر مثيرا حقا للدهشة:وفق "سابين دوش" (2002),يصل عدد الشبكات العالمية الأكثر كفاءة (أي القادرة على تدبير مجموع عمليات القوادة من البداية إلى النهاية),نحو خمسين شبكة حول العالم.وحسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية,فإن الناتج الإجرامي العالمي الخام يصل إلى 1200 مليار دولار في السنة ويمثل 15% من حجم التجارة العالمية.وتؤكد كل الدراسات أن الجريمة المنظمة بدأت تلعب دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي منذ أن تم تحرير الأسواق ورأسملتها.لقد أدرجت العولمة في الأسواق,نموا وتعددا لأشكال الإجرام التي تستغل التفتت الاجتماعي والاقتصادي للمناطق برمتها.
لقد أبدت العولمة ميلا إلى تذويب الحدود الفاصلة بين الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة:كل شيء في الاقتصاد المالي والمضارباتي يساهم اليوم في الدفع بالمجرمين الاقتصاديين إلى التخلي عن الأنشطة الفردية التي كانوا يتعاطون لها كيفما اتفق,والانخراط في المقابل في الصفقات المنظمة والدائمة.إن التجارة المتزايدة وتحرير الأسواق,لا تسهل الصفقات القانونية فحسب,بل تسهل الصفقات غير القانونية أيضا,لدرجة دفعت البعض إلى التساؤل حول ما إذا لم يكن الإجرام الاقتصادي قد أصبح « مكونا جوهريا في النظام الرأسمالي لعالمنا».
كثيرون هم الذين يؤكدون أنه فيما يتعلق بنخاسة الكائنات الإنسانية لصالح نظام الدعارة,ينبغي تحليل القضية من زاوية مصطلحات السوق ومفاهيمه.فإذا كان البعض يرى أن نشاط المتاجرة العالمية في النساء والأطفال من أجل غايات جنسية,يشبه من حيث جوهره كل الأنماط الأخرى من التجارة غير الشرعية,فإن البعض الآخر يرى أن منطق السوق – سواء كان قانونيا أو لا- هو الذي يفسر حيوية هذا « القطاع » الاقتصادي المتمثل في الدعارة.وفي كل الأحوال,يظل سوق الدعارة هذا,خاضعا في مجمله,إن لم يكن في كليته,لنفوذ العصابات المنظمة.إن خطط التقويم الهيكلي وإعادة النظر في آليات الحماية الاجتماعية والخدمات العمومية في مجال التعليم والصحة,أدت إلى الرفع من كثافة ضغط الهجرة.وقد استفادت الكثير من الجماعات بما فيها المنظمات الإجرامية,من الصيرورات الاجتماعية التي تلاحقت بفعل تزايد التفاوتات الاجتماعية ومظاهر الفقر.والنتيجة هي أن المنظمات الإجرامية أصبحت تهيمن على نخاسة البشر لصالح نظام الدعارة الذي يقع تحت مراقبتها.ويمكن القول إن عولمة الدعارة لم يكن بإمكانها أن تتحقق إلا عبر عولمة نظام القوادة.
وعلى هذا الأساس,فإن هذه السوق مشروطة بلعبة العرض والطلب.ومن هذا المنطلق,أثار وزير العدل الهولندي,في سنة 2000,ضرورة تخصيص حصة قانونية لـ « ممتهنات الجنس» الأجنبيات,ما دام أن سوق الدعارة « يتطلب» تنوعا في « الأجساد المعروضة للبيع».وبالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن العرض والطلب هما المنظمان لأسواق هجرة البشر,فإن ما يمثل مشكلة بالنسبة للنساء المتورطات في هذا النوع من النخاسة, « ليس هو العمل أو الخدمات في حد ذاتها (الدعارة,الزواج أو العمل داخل البيوت),بل المشكلة تتمثل في الطريقة الخاصة التي تتحكم في تنظيم هذا النوع من الخدمات (سواء على مستوى التشغيل أو على مستوى ظروف العمل):إنها طريقة التعاقد تحت طائلة الإكراه».وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي,فإن المشكل يتمثل إذن في ظروف هذا النوع من التجارة,وليس في الاتجار (القسري) بالنساء والأطفال1.ومعنى هذا أن التمييز بين « المتطوع » و « المجبر»,هو أساس هذه الإشكالية في رأيهم:فالدعارة لا تعتبر في حد ذاتها نوعا من العنف ضد النساء,بل هي بمثابة مهنة موصومة بالعار وتحتاج بالتالي إلى إعادة رد الاعتبار.أما المرأة التي تمارس الدعارة,فهي في رأيهم « ممتهنة جنس».والواقع أن هذا الموقف الليبرالي,يحظى بدعم المنظمات العالمية والأوربية.
لكن منطق السوق لا يختزل فقط في قانون العرض والطلب,لأن هذا «القانون» المرتبط بالاقتصاد الليبرالي لا يمكن أن يفسر كل شيء حول كيفية عمل المجتمعات الحالية2.فالسوق هو مجال تبادل البضائع,وكل بضاعة – سواء كانت منفعة أو خدمة- هي بضاعة مُنْتَـجَة.إن هذا المظهر يعتبر جوهريا في فهم الدينامية الحالية للسلعنة البغائية على المستوى العالمي.ورغم ذلك فقليلون هم المحللون الذين يؤمنون بجدوى استخلاص نتائج اجتماعية واقتصادية من قضية التأكيد على أن الاتجار في النساء والأطفال لغايات جنسية,هي قضية خاضعة لمنطق السوق.القليل منهم فكروا فعلا في السؤال التالي:كيف يتحول ما لا ليس بضاعة في الأصل,إلى بضاعة؟.
سلعنة الكائنات الإنسانية
إن تحويل النشاط الإنساني إلى سلعة يعتبر أحد خصائص نمط الإنتاج الرأسمالي.فالبضاعة – التي تعتبر في نفس الوقت منتوجا ووسيلة لاكتساب المال- تخضع في النظام الرأسمالي إلى صيرورة صناعية,أي إلى صيرورة إنتاج لا « حدود » له (وفق تعبير ريكاردو).في العولمة النيو ليبرالية الحالية,لا شيء يبدو قادرا على الإفلات من صيرورة السلعنة ومن منطق « تحويل العلاقات الاجتماعية إلى قيمة نقدية».وتتمثل إحدى تأثيرات تحول كل شيء إلى قيمة نقدية,في قيام السوق على أساس « إلغاء الإخصاء » الاجتماعي,وفق تعبير عالم الاجتماع كارل بولانيي.ومعنى هذا أن تعميق منطق السلعنة,يؤدي إلى التدمير المنظم للعلاقات الاجتماعية السابقة,وذلك لصالح علاقات جديدة تضفي المشروعية على الملكية الخاصة التي تمثل في العمق جوهرها.إن صيرورة السلعنة هذه تتم مقابل ثمن متمثل في حدوث ضغط وعنف كبيرين,ومتمثل بالإضافة إلى ذلك في المسخ الذي يتحول ضمنه الإنسان إلى بضاعة.فالتملك الخصوصي للأجساد,وتحويلها إلى بضائع3 ثم استهلاكها,بكل الصيغ والأشكال,كل ذلك يتطلب استعمال العنف.ومعنى هذا أن الإكراه يعتبر عاملا تكوينيا متدخلا بقوة في سلعنة الكائنات الإنسانية وأجسادها,وغالبا ما يمارس هذا الإكراه من طرف المنظمات المافيوزية.
يوجد اليوم تصاعد قوي للدعارة في كل مكان من العالم.وتقدر "سابين دوتش" أن ممارسة الدعارة تدر رقم معاملات عالمي بقيمة 60 مليار يورو.وفي سنة 1998 قدرت الأمم المتحدة أن أربعة ملايين من الأشخاص سنويا,يتحولون إلى موضوع متاجرة,وهو ما يدر ما بين خمسة وسبعة ملايير دولار أمريكي لصالح الجماعات الإجرامية.وتؤكد الأمم المتحدة أن عدد النساء اللاتي يمثلن ضحايا النخاسة الجنسية,يتجاوز بكثير عدد النساء اللاتي يخضعن للاتجار لغايات استغلالهن في أعمال البيوت أو اليد العاملة الرخيصة.
الملايين من النساء والأطفال يتحولون إلى موضوع للتداول في السوق العالمية للدعارة والخلاعة,ويصبحون بالتالي بضائع في أيدي نظام القوادة.ووفقا للأمم المتحدة,فإن نخاسة النساء والأطفال لغايات «الاستغلال الجنسي » – في السنوات الثلاثين الأخيرة,وفي آسيا وحدها- أوقعت ثلاثين مليون ضحية في شباكها.إن الأسواق الجنسية,التي تعتبر شرعية وغير شرعية في نفس الوقت (هذان المظهران مترابطان بقوة ويتغذى أحدهما من الآخر),تصدر عن منطق صناعي,منطق الإنتاج بالجملة,وهو ما يحتم تحليل هذه القضية في ضوء مقتضيات تتعالى عن المظهر التجاري الصرف للمسألة.إن الدقة تتطلب القول إن هذه الصناعة المرتبطة بالتجارة الجنسية,لا تقتصر على تزويد السوق بالنساء والأطفال فحسب,بل تقوم بموازاة مع ذلك,بـ « إنتاج» هذه البضائع.
إن هؤلاء النساء والأطفال,من حيث كونهن بضائع,يمثلن – في رأي مالكيهن- فائدة مزدوجة:هذه الكائنات تمثل قيمة مالية وقيمة خدماتية في نفس الوقت.ولكي نعبر عن ذلك بدقة أكبر,إن إحدى السمات الحالية للعولمة,لا تتمثل في سلعنة الجسد من حيث هو جنس فقط,بل تتمثل أيضا في سلعنة النساء والأطفال أنفسهن.إننا إذن أمام سلعنة مضاعفة.
وهذه البضائع تباع في الأسواق المحلية,ثم الأسواق الإقليمية والدولية,وتتبع في ذلك نوعا من سلسلة التوزيع التي تنطلق – بشكل عام- من مناطق ذات تمركز ضعيف لرؤوس الأموال,نحو مناطق ذات تمركز قوي للأموال.وهكذا هناك تقديرات تقول إنه منذ بداية التسعينيات,خضعت 200000 امرأة وشابة من بنغلاديش للترحيل إلى باكستان من أجل ممارسة الدعارة.بينما يعتبر ما بين 20000 و 30000 من المومسات في التايلاند,من أصول قادمة من ماينمار.وتقدر إحدى الدراسات التي نشرتها المنظمة الدولية للشغل,أن أكثر من 150000 من المومسات في اليابان,هن من أصول غير يابانية.فخمسون في المائة منهن آتيات من الفيليبين,و 40% منهن قادمات من التايلاند.وفي كل سنة,ينتقل ما بين 5000 و 7000 من النساء الشابات من النيبال إلى الهند من أجل ممارسة الدعارة,وذلك عبر قنوات الاتجار في النساء.و هناك 20000 من المومسات النيباليات,اللاتي يقل عمر أغلبهن عن ثماني عشرة سنة,تمارسن البغاء في الشوارع الهندية.أما في أوريا الغربية,فأكثر من %70من المومسات هن أجنبيات.وفي بعض الدول,مثل اليونان والنمسا,تصل هذه النسبة إلى %90 بينما تبلغ في بلجيكا 80%.
إن عمليات البيع والشراء المتتابعة للنساء والأطفال,تمثل عملا « عديم الرحمة »: « [...] مهربون رومانيون [...] يبيعون في المزاد نساء أوكرانيات وبلغاريات وروسيات»,فيشتريهن مهربون صربيون ويمارسون عليهن التعذيب والاغتصاب,قبل أن ينقلوهن إلى ألبانيا,حيث يتم تسليمهن إلى أحد أقسى شبكات المافيا.وقد أشارت التحقيقات الأخيرة التي انصبت على موضوع تهريب النساء والأطفال من دول الشرق ومن أمريكا اللاتينية أو آسيا,إلى وجود وضعيات غير إنسانية,حيث تتعرض كائنات إنسانية إلى الاختطاف والاستعباد,لدرجة أن بعضهم يتعرض للتصفية من أجل أن يكون عبرة للآخرين الذين سيتم بيعهم لشبكات الدعارة المختلفة.
والحقيقة أن الدعارة ليست مجرد تجارة,بل هي صناعة4.فمنذ السنوات الثلاثين الأخيرة,كان أكبر التحولات مأساوية في التجارة الجنسية,هو بالضبط تحويلها إلى صناعة وتعميهما ونشرها بالجملة على الصعيد العالمي.وهذه الصناعة تتطلب فاعلين قادرين على تنظيمها:إنهم وسطاء القوادة المنظمين ضمن شبكات إجرامية منتشرة على مدار الكرة الأرضية.فهؤلاء الوسطاء يباشرون عمليات الاستقطاب والنقل والبيع.وهو ما يتطلب وجود تواطؤات في كل مكان,ووسائل هائلة وأرباح خيالية.إن السلاسل الفندقية العالمية وشركات الطيران والصناعة السياحية,تستفيد بشكل واسع جدا من الصناعة البغائية ومن نظام القوادة المرتبط بها.بل حتى الحكومات نفسها تستفيد من ذلك:في سنة 1998,قدرت المنظمة الدولية للعمل أن الدعارة تمثل ما بين 2% و 14% من الناتج الداخلي الخام للتايلاند وأندونيسيا وماليزيا والفيليبين.والصناعة الجنسية تمثل 5% من الاقتصاد الهولندي.وفي سنة 1995,قدرت مداخيل الدعارة في التايلاند بما يعادل 59% إلى 60% من ميزانية الحكومة.و لهذا السبب قامت الحكومة التايلاندية,في سنة 1987, بالترويج للسياحة الجنسية باستعمال هذه الكلمات: « الفاكهة التايلاندية الوحيدة الأكثر لذة من فاكهة الدوريان [نوع من الفاكهة المحلية], هي نساء التايلاند».
إن تحويل التجارة الجنسية إلى صناعة,وعولمة نظام القوادة,يمثلان العاملين الجوهريين الذين يجعلان الدعارة المعاصرة مختلفة كيفيا عن الدعارة المرتبطة بالعصور السابقة.فالمستهلكون بإمكانهم اليوم الحصول – عبر العالم-على أجساد « إكزوتيكية» exotique وشابة بل وصغيرة السن جدا.والأكثر من ذلك أن بإمكانهم الحصول على هذه الأجساد دون أن يكونوا مضطرين لمغادرة بلدانهم5.إن الصناعة البغائية متعددة الأشكال والألوان,متطورة ومتخصصة:ففي إمكانها أن تستجيب لكل أنواع الطلبات.والواقع أن « دمقرطة» السياحة وتحويلها إلى نشاط جماهيري,ساهما كيفيا في تغيير معطيات هذه القضية.كما أن التكنولوجيات الجديدة:الأنترنت والتيلفون « الوردي» إلخ ,تساهم أيضا بفعالية في انتشار نخاسة النساء والأطفال لغايات جنسية.
صناعة عالمية في طور الازدهار
خلال العقود الثلاثة الأخيرة,شهدت دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية,تزايدا خارقا للدعارة.ومنذ ما يزيد قليلا عن العقد من الزمن,ظهر هذا التزايد أيضا في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوربا الشرقية والوسطى.أما في هولندا,فمنذ أن أصبحت ممارسة الدعارة –في سنة 2002- صناعة معترف بها قانونيا,شهدت نموا يصل إلى 25% .والواقع أن تحويل التجارة الجنسية إلى صناعة,ينطوي على تطوير إنتاج بالجملة للممتلكات والخدمات الجنسية التي تؤدي إلى تقسيم إقليمي ودولي للعمل.فهذه الصناعة التي تنتشر في سوق معولمة,يدخل تحت مظلتها المستوى المحلي والمستوى الإقليمي في نفس الوقت.وهناك الملايين من النساء والمراهقين والأطفال الذين يعيشون اليوم في المناطق « الساخنة» من عواصم بلدانهم أو عواصم البلدان المجاورة.ويقدر عدد النساء اللاتي تمارسن الدعارة في التايلاند,حوالي مليونين,نصفهن كان ضحية للتهريب بتواطؤ مع الأقاليم الجنوبية للصين واللاووس والفييتنام وميانمار.وهناك ما بين 40000 و 50000 من النساء اللاتي تمارسن الدعارة في الفيليبين,و65000 في أندونيسيا,وعشرة ملايين في النهد,و142000 في ماليزيا, 70000 في الفييتنام,ومليون في الولايات المتحدة,وما بين 50000 و 70000 في إيطاليا,و30000 في هولندا,و20000 في ألمانيا.وقد قدر "أكيرمان" و"فيلتر" في بداية التسعينيات,أن النساء اللاتي يمارسن الدعارة في ألمانيا,يبعن « خدمات جنسية » لمليون ونصف من الزبناء يوميا.
أما صناعة الدعارة المرتبطة بالأطفال,فإنها تستغل 400000 طفل في الهند,و100000 طفل في الفيليبين,وما بين 200000 و 300000 في التايلاند,و100000 في الطايوان,وما بين 244000 و 325000 طفل في الولايات المتحدة.أما في الصين الشعبية,فيقدر عدد الأطفال الذين يمارسون الدعارة ما بين 200000 و 500000.وما يقرب من 35% من أطفال الدعارة في الكامبودج,تقل أعمارهم عن سبع عشرة سنة.وتقدر بعض الدراسات أن الطفل الذي يمارس الدعارة,يبيع خدماته لـ 2000 رجل,خلال سنة واحدة.وهناك تقرير للمجلس الأوربي,يقدر أن 100000 طفل من أوربا الشرقية,يمارسون الدعارة في أوربا الغربية.
وبموازاة مع ازدهار الدعارة المحلية المرتبطة بالهجرة من القرية نحو المدن,هناك مئات الألوف من النساء الشابات والأطفال الذين ينقلون إلى المراكز الحضرية في اليابان وأوربا الغربية وأمريكا الشمالية من أجل « تقديم خدمات جنسية» لعدد كبير من الزبناء الذكور.والواقع أن هذا النوع من عمليات الهجرة من القرية إلى المراكز القريبة أو البعيدة,لا يبدو أنه يتراجع أو يقل.بل على العكس من ذلك,كل المؤشرات تدل على تزايده.ونموذج هولندا يمثل مؤشرا واضحا على التطور المتزايد للصناعة الجنسية:2500 مومس سنة 1981, و10000 سنة 1985,و20000 سنة 1989,و30000 سنة 1997.لقد أصبحت هولندا مكانا مفضلا للسياحة الجنسية العالمية.ففي العاصمة أمستردام,التي يوجد بها 250 وكرا للدعارة, %80 من المومسات تنتمين لأصول أجنبية,و%70 منهن لا يتوفرن على الأوراق الرسمية للإقامة,مما يدل بدون شك على أنهن كن ضحايا عملية تهريب.وعلى هؤلاء المومسات أن يكترين المقصورات التي يعرضن فيها أنفسهن,والتي تكلفهن حوالي 90 دولارا يوميا.ويتلقين ما بين 10 و24 زبونا مما يتطلب منهن العمل لمدة زمنية تتراوح بين 12 ساعة و17 ساعة يوميا*.وفي سنة 1960,كانت نسبة %95 من المومسات في هولندا,من جنسية هولندية,أما في سنة 1999, فلم تتجاوز نسبتهن 25 %. وحين نتحدث عن المومسات الأجنبيات,فإن الأمر له علاقة بنخاسة الكائنات الإنسانية.وهو ما يعني بكل وضوح أن هذه النخاسة هي نخاسة منظمة. إن منظمة وسطاء الدعارة,هي أكبر من يوفر الخدمات لنوادي الجنس وأوكار الدعارة التي يبلغ عددها 700 في هولندا,التي أصبحت فيها الدعارة قانونية منذ 1 أكتوبر 2000.والواقع أن هذه المصادقة القانونية على الدعارة,كان من المفروض أن تستفيد منها المومسات في المقام الأول,لكن ذلك لم ينجح ما دام أن 4% منهن فقط,هن اللاتي تقدمن إلى السلطات من أجل تسجيل أسمائهن.أما الذين كانوا يروجون للاعتراف القانوني بالدعارة في أوستراليا,فقد كانوا يعتقدون أن من شأن ذلك أن يحل المشاكل ويتيح مراقبة الجريمة المنظمة المرتبطة بصناعة التجارة الجنسية,ومراقبة التطور اللامتوازن لهذه الصناعة وللعنف الذي يمارس في حق المومسات اللاتي يمارسن عملهن في الشارع.إلا أن هذا الاعتراف القانوني بالدعارة,لم يأت بحل لأي من هذه المشاكل,بل الأكثر من ذلك أنه أدى إلى ظهور مشاكل جديدة.ومن بين هذه المشاكل,عرفت دعارة الأطفال في المناطق التابعة لحكومة أوستراليا,نموا مأساويا بالمقارنة مع المناطق التابعة للحكومات التي لا تعترف قانونيا بالدعارة,فعدد أوكار الدعارة لم يتضاعف ثلاث مرات فقط,بل إن كل وكر من هذه الأوكار عرف تطورا أكثر من السابق.والأكثر من ذلك أن عدد الأوكار غير القانونية,تجاوز بكثيرعدد الأوكار القانونية.وقد أدى ذلك بالتالي إلى التزايد الملموس لنخاسة النساء والأطفال القادمين من البلدان الأخرى.
إن نخاسة النساء والأطفال لغايات جنسية في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا,تقدر بـ40000 شخص في السنة.وتأتي الدول المستقلة التي كانت تنتمي للاتحاد السوفياتي سابقا,ودول أوربا الشرقية والوسطى,في المرتبة الثانية من حيث الأهمية (175000 شخص في السنة).ثم تأتي أمريكا اللاتينية وجزر الكاراييب (حوالي 100000 شخص في السنة) وإفريقيا (50000 شخص).وتقدر المنظمة العالمية للهجرة أن 120000 من النساء والأطفال يخضعون للتهريب لغايات الدعارة,باتجاه الاتحاد الأوربي,وخاصة عبر دول البلقان.
والواقع أن هذه الصورة ستظل غير كاملة إن نحن لم ندخل في اعتبارنا صناعة الأفلام الخليعة,وذلك لأن مسارب الخلاعة تتداخل في أغلب الأحيان مع مسارب الدعارة 6 .ووفق "سابين دوتش",يصل رقم المعاملات العالمي لأفلام الخلاعة إلى حوالي 52 مليار يورو.
Comment