محمد فاروق الإمام - كلنا شركاء
16/ 10/ 2010
لفت انتباهي تساؤل الكاتب توفيق رباحي في مقاله الذي نشر في صحيفة القدس العربي يوم 14 تشرين أول الحالي تحت عنوان: (ماذا لو كنا مدفونين تحت 750 متراً تحت الأرض: هل كان أحد سينقذنا؟)، وتساؤله الاستنكاري دفعني لكتابة هذا المقال عله يجد الإجابة فيه على تساؤله!!
لقد تابع الملايين في العالم عبر القنوات الفضائية بإعجاب وتأثر شديدين عملية الإنقاذ الملحمية التي انتهت ليل الأربعاء 13 تشرين الأول الحالي بنجاح مع خروج آخر العمال الـ 33 الذين كانوا محتجزين تحت الأرض لأكثر من شهرين في قاع منجم في تشيلي.
وخرج آخر هؤلاء العمال إلى سطح الأرض، وهو لويس أورثوا (قائد) فريق العمال بعد 69 يوماً قضاها في جوف الأرض. وفي اللحظة نفسها أطلق 33 بالونا تحمل ألوان علم تشيلي في سماء (مخيم الأمل) الذي انتظرت فيه أسر وأصدقاء العمال على أعصابهم خروج أحبائهم منذ الانهيار الأرضي الذي احتجزهم على عمق يزيد على 600 متر تحت سطح الأرض في الخامس من آب. ولدى خروجه قال هذا الرجل البالغ من العمر 54 عاما، وأب لطفلين؛ الذي تولى مهمة تنظيم حياة المجموعة بعد الحادث (شكرا لتشيلي كلها ولكل الذين ساعدونا. إنني فخور كوني تشيلياً). وكان الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا على رأس من كان يراقب عملية الإنقاذ الفريدة، وكان أول من استقبل الناجين وعانقهم فرداً فرداً بعد خروجهم من المنجم سالمين. وفي العاصمة سانتياغو، التي تبعد عن موقع المنجم 800 كيلومتر جنوبا، جابت السيارات الشوارع مطلقة العنان لأبواقها تحية لإنقاذ حياة العمال الـ 33.
تشيلي التي تخلصت من الديكتاتورية العسكرية المقيتة التي كانت لا تعرف قيمة للإنسان وكانت تذبحه من الوريد إلى الوريد، وتحولت إلى جمهورية ديمقراطية تحترم الإنسان وعقله وتعمل على رعايته وصون حقوقه وتأمين العيش الكريم والصحة والتعليم والتنمية والأخذ بأسباب الحضارة والتقدم، هذه الجمهورية الفتية التي تخلصت من آخر الديكتاتوريات العسكرية الاستبدادية (جمهورية الديكتاتور الجنرال بينو شيه عام 1989)، لتتحول إلى جمهورية ديمقراطية وتصبح في مصاف الدول المتقدمة في أمريكا الجنوبية، في هذه الفترة القياسية، وتمكنت من إنقاذ هذا العدد من العمال بفضل العقل التشيلي الحر وإمكانياته التي أذهلت العالم وأثارت إعجابه، وقد أخفقت الدولة العظمى روسيا عام 2000 من إنقاذ بحارة إحدى غواصات أسطولها الحربي (كورسيك) التي غرقت في بحر بارنتس شمال شرق مورمانسك وبداخلها 118 بحاراً قضوا جميعاً داخلها دون أن تتمكن روسيا بكل ما لديها من تكنولوجيا من إنقاذهم، واكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن (الذي رفض عدة عروض من بعض الدول ـ من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ـ للمساعدة في عمليات إنقاذ الغواصة, مدعياً أن روسيا تملك الوسائل التكنولوجية الكافية للقيام بهذه المهمة دون مساعدة خارجية) بعد إخفاق فرق الإنقاذ من فعل أي شيء بالقولإنه يشعر بالذنب والمسؤولية إزاء كارثة الغواصة الروسية كورسك التي مات فيها مئة وثمانية عشر بحاراً).
أما حول الإجابة على تساؤل الكاتب توفيق رباحي (ماذا لو كنا مدفونين تحت 750 مترا تحت الأرض: هل كان أحد سينقذنا؟).. فهذه هي الإجابة:
في موسم حج عام 2007 تدهور باص يقل نحو خمسين حاجاً سورياً بعد دخوله الأراضي الأردنية أدى إلى موت سبعة حجاج وإصابة الجميع بجروح مختلفة، وقد سارعت فرق الإسعاف الطبية الأردنية – مشكورة - إلى مكان الحادث وأسعفت المصابين ونقلتهم إلى عدد من المستشفيات في كل من الزرقاء وعمان، وقام أحد من كانت إصابته خفيفة من الحجاج واتصل بالسفارة السورية في عمان وأبلغهم عن الحادث وطلب تقديم المساعدة، فكانت إجابة المسؤول في السفارة: (لا يمكننا فعل شيء فليس لدينا بند له علاقة بالمساعدة، وكل ما يمكن تقديمه من مساعدة هو منح وثائق تساعد في العودة إلى سورية لمن يحضر إلى السفارة).
وتنادى بعض السوريين المقيمين في الأردن لتقديم المساعدة لهؤلاء الحجاج المصابين، وبعض الجمعيات الخيرية الأردنية (جمعية الثقافة الأردنية) وأمنوا المال اللازم لمداواتهم ورعايتهم الصحية وأجور المستشفيات التي أدخلوا إليها، والحاجيات الضرورية والملابس والطعام، ووكلت لهم عدداً من المحامين للتعويض عما أصابهم وخاصة من فقد الحياة من بينهم، وقد نجح المحامون في تأمين مبالغ مجزية من الشركة الناقلة لكل المصابين، الذين تمكنوا من متابعة طريقهم إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج رغم إصاباتهم، في حين تم نقل الموتى إلى سورية، وقد عجزت السفارة السورية عن تقديم المساعدة لهؤلاء وهم على سطح الأرض، فما بالك لو كان هناك بعض المحاصرين تحت الأرض!!
محمد فاروق الإمام - كلنا شركاء
...
16/ 10/ 2010
لفت انتباهي تساؤل الكاتب توفيق رباحي في مقاله الذي نشر في صحيفة القدس العربي يوم 14 تشرين أول الحالي تحت عنوان: (ماذا لو كنا مدفونين تحت 750 متراً تحت الأرض: هل كان أحد سينقذنا؟)، وتساؤله الاستنكاري دفعني لكتابة هذا المقال عله يجد الإجابة فيه على تساؤله!!
لقد تابع الملايين في العالم عبر القنوات الفضائية بإعجاب وتأثر شديدين عملية الإنقاذ الملحمية التي انتهت ليل الأربعاء 13 تشرين الأول الحالي بنجاح مع خروج آخر العمال الـ 33 الذين كانوا محتجزين تحت الأرض لأكثر من شهرين في قاع منجم في تشيلي.
وخرج آخر هؤلاء العمال إلى سطح الأرض، وهو لويس أورثوا (قائد) فريق العمال بعد 69 يوماً قضاها في جوف الأرض. وفي اللحظة نفسها أطلق 33 بالونا تحمل ألوان علم تشيلي في سماء (مخيم الأمل) الذي انتظرت فيه أسر وأصدقاء العمال على أعصابهم خروج أحبائهم منذ الانهيار الأرضي الذي احتجزهم على عمق يزيد على 600 متر تحت سطح الأرض في الخامس من آب. ولدى خروجه قال هذا الرجل البالغ من العمر 54 عاما، وأب لطفلين؛ الذي تولى مهمة تنظيم حياة المجموعة بعد الحادث (شكرا لتشيلي كلها ولكل الذين ساعدونا. إنني فخور كوني تشيلياً). وكان الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا على رأس من كان يراقب عملية الإنقاذ الفريدة، وكان أول من استقبل الناجين وعانقهم فرداً فرداً بعد خروجهم من المنجم سالمين. وفي العاصمة سانتياغو، التي تبعد عن موقع المنجم 800 كيلومتر جنوبا، جابت السيارات الشوارع مطلقة العنان لأبواقها تحية لإنقاذ حياة العمال الـ 33.
تشيلي التي تخلصت من الديكتاتورية العسكرية المقيتة التي كانت لا تعرف قيمة للإنسان وكانت تذبحه من الوريد إلى الوريد، وتحولت إلى جمهورية ديمقراطية تحترم الإنسان وعقله وتعمل على رعايته وصون حقوقه وتأمين العيش الكريم والصحة والتعليم والتنمية والأخذ بأسباب الحضارة والتقدم، هذه الجمهورية الفتية التي تخلصت من آخر الديكتاتوريات العسكرية الاستبدادية (جمهورية الديكتاتور الجنرال بينو شيه عام 1989)، لتتحول إلى جمهورية ديمقراطية وتصبح في مصاف الدول المتقدمة في أمريكا الجنوبية، في هذه الفترة القياسية، وتمكنت من إنقاذ هذا العدد من العمال بفضل العقل التشيلي الحر وإمكانياته التي أذهلت العالم وأثارت إعجابه، وقد أخفقت الدولة العظمى روسيا عام 2000 من إنقاذ بحارة إحدى غواصات أسطولها الحربي (كورسيك) التي غرقت في بحر بارنتس شمال شرق مورمانسك وبداخلها 118 بحاراً قضوا جميعاً داخلها دون أن تتمكن روسيا بكل ما لديها من تكنولوجيا من إنقاذهم، واكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن (الذي رفض عدة عروض من بعض الدول ـ من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ـ للمساعدة في عمليات إنقاذ الغواصة, مدعياً أن روسيا تملك الوسائل التكنولوجية الكافية للقيام بهذه المهمة دون مساعدة خارجية) بعد إخفاق فرق الإنقاذ من فعل أي شيء بالقولإنه يشعر بالذنب والمسؤولية إزاء كارثة الغواصة الروسية كورسك التي مات فيها مئة وثمانية عشر بحاراً).
أما حول الإجابة على تساؤل الكاتب توفيق رباحي (ماذا لو كنا مدفونين تحت 750 مترا تحت الأرض: هل كان أحد سينقذنا؟).. فهذه هي الإجابة:
في موسم حج عام 2007 تدهور باص يقل نحو خمسين حاجاً سورياً بعد دخوله الأراضي الأردنية أدى إلى موت سبعة حجاج وإصابة الجميع بجروح مختلفة، وقد سارعت فرق الإسعاف الطبية الأردنية – مشكورة - إلى مكان الحادث وأسعفت المصابين ونقلتهم إلى عدد من المستشفيات في كل من الزرقاء وعمان، وقام أحد من كانت إصابته خفيفة من الحجاج واتصل بالسفارة السورية في عمان وأبلغهم عن الحادث وطلب تقديم المساعدة، فكانت إجابة المسؤول في السفارة: (لا يمكننا فعل شيء فليس لدينا بند له علاقة بالمساعدة، وكل ما يمكن تقديمه من مساعدة هو منح وثائق تساعد في العودة إلى سورية لمن يحضر إلى السفارة).
وتنادى بعض السوريين المقيمين في الأردن لتقديم المساعدة لهؤلاء الحجاج المصابين، وبعض الجمعيات الخيرية الأردنية (جمعية الثقافة الأردنية) وأمنوا المال اللازم لمداواتهم ورعايتهم الصحية وأجور المستشفيات التي أدخلوا إليها، والحاجيات الضرورية والملابس والطعام، ووكلت لهم عدداً من المحامين للتعويض عما أصابهم وخاصة من فقد الحياة من بينهم، وقد نجح المحامون في تأمين مبالغ مجزية من الشركة الناقلة لكل المصابين، الذين تمكنوا من متابعة طريقهم إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج رغم إصاباتهم، في حين تم نقل الموتى إلى سورية، وقد عجزت السفارة السورية عن تقديم المساعدة لهؤلاء وهم على سطح الأرض، فما بالك لو كان هناك بعض المحاصرين تحت الأرض!!
محمد فاروق الإمام - كلنا شركاء
...