الرهبنة لماذا
انه عيد الميلاد، حيث يتوافد الناس الى الكنائس للصلاة، يقصدون الاديار البعيدة لايفاء نذورهم، يلتقون رهباناً وراهبات، يمضون الليل في الصلاة، في استقبال المسيح المولود. من هم هؤلاء الرهبان، واولئك الراهبات ماذا يفعلون بعد اتمام صلواتهم؟ اين يذهبون؟ وهل ما زالت حياتهم تغري الشبان والشابات للالتحاق بالرهبنة؟ هل تتزايد الدعوات الرهبانية في لبنان ام تتراجع؟ اسئلة كثيرة...
الترهب هو التزام العمل وفق العقيدة المسيحية في خدمة رسالة السيد المسيح وتنفيذاً لتعاليمه وتشبهاً به في عدم الزواج. والمترهب أو المترهبة هو من ابتعد عن مباهج الدنيا وملذاتها، زاهداً، متقشّفاً، مترفّعاً، سامياً، ناذراً نفسه من أجل عطاءات جليلة تبلسم جروح الناس وتخفف همومهم وآلامهم.
يطرح هذا الموضوع تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة الترهب، خصوصاً أن شباب لبنان وشاباته عانوا طويلاً الحروب والصراعات والأزمات المتواصلة، فضلاً عن تداعياتها الخطيرة على الإقتصاد والمعيشة وسائر متطلبات الحياة، إلى الحد الذي هز الكيانات النفسية، على نحو قد تكون أجبرت البعض على الهروب إلى حيث يعتقدون أنه مكان أفضل. وينتظر المراقب من بعيد ليرى من سيكمل من هؤلاء مشوارهم على دروب الرهبنة ورسالتها.
الأخت ثريا
رغم أنها كانت في الخامسة عشرة من عمرها أي في مرحلة المراهقة واللهو بعيدة من هموم الحياة ومشقاتها، فإن الأخت ثريا حرّو من الراهبات الباسيليات الشويريات وجدت هوّيتها ورسالة حياتها منذ ذلك الحين، خصوصاً بعدما تعرّفت عن كثب على أعمال الأم تريزيا كالكوتا التي كانت "تنشر كلمة الله"، وحياتها إلى جانب الفقراء والمحتاجين. "دفعتني أفعال الأم تريزيا إلى السير على خطاها فتبادر إلى ذهني ذلك السؤال: لماذا لا أدخل الدير؟".
في ليلةٍ قررت حياتها للرهبنة ونذرت في البدء الفقر والعفة والطاعة. ترعرعت ثريا في جوٍ عائلي قريب من الكنيسة، واكتسبت حياتها التأملية من والدتها التي تصلّي دائماً. لكن هذا لم يشجّع الوالدة يومها على تقبل فكرة تكريس حياة ابنتها للرهبنة. اكتشفت الفتاة المراهقة دعوتها على مراحل وبتدرج على مدى 23 سنة. وأكدت الأخت ثريا أن الدعوة تتثبت يوماً بعد يوم ومع كل اختبار تمر فيه الراهبة طيلة مسيرتها في الدير.
هل شعرت في يوم بندم أو شك خلال مراحل الإختبارات قبل النذر المؤبد؟
تقول "ان الراهبة ككل إنسان، لديها أحاسيسها ونقاط ضعفها وطموحاتها في الحياة. ومن الطبيعي ان نطرح التساؤلات على أنفسنا: هل هذه مشيئة ربي؟ أهذا حقاً ما يريده مني؟ ماذا لو كان خياري الحقيقي في الحياة مختلفاً عمّا أنا عليه اليوم؟"، وتضيف: "كنت اتساءل عن مدى صوابية قرار الترهّب والعمل على تثبيته، أكثر مما هو ندم أو شك في الوقت الذي أسعى إلى التقدّم في حياتي الروحية".
بعد نذرها الأول روت ثريا تجربتها حين كانت تصلّي وبحرقة قلب تحاكي يسوع: "خلّيني أشعر بوجودك، بدي شاركك وارتبط فيك أكتر. شو بدّك مني، فهّمني؟"... وإذ بها تسمع جواب يسوع هامساً لها: "ثريا، لا تخافي أنا غامرك بين يديّ. حب الناس يذلّ بس حبّي لا يذلّ". وختمت بعبارة: "النصيب الصالح هو الذي لا يُنزع مني". حققت ثريا طموحها في الحياة الرهبانية "التزامي مع الله مغامرة تستحق العناء".
الأب رمزي
وفق خبرته الشخصيّة ومرافقته للشباب في الكهنوت، يعتبر الراهب اللعازري رمزي جريج (39 سنة)، أن فكرة دخول الدير وتكريس حياة الشباب للرهبنة تأتي بنسبة 50 في المئة دعوة ونداء من يسوع
والـ 50 في المئة المتبقية احساس يولد نتيجة مشكلات شخصية أو نفسية كهروب من البيت أو المجتمع الخ... أو مشكلات غير آنية إنما داخلية وجروح غامضة منذ الطفولة.
هل وجود الأب رمزي في الرهبانية اليوم سببه الهروب من واقع ما أو مشكلات معيّنة؟ كان الأكبر سناً بين إخوته، والمميز في مدرسته والمدلل من قبل ذويه. أراد أن يحقق ذاته ويثبت شخصيته ويكون المثال لعائلته.
"كنت أنظر إلى الكاهن كمثال لي، وأنا في سن الـ 11 راودتني فكرة دخول الدير كي أصبح كاهناً. واجهتني ضغوط عائلية وقفت أمامي حاجزاً منعتني من أكتشاف دعوتي. ومع مرور السنين، زاد تعلّقي بالفكرة ودخلت دير المجدلية عن اقتناع لاختبر هذه الدعوة، وكنت في الـ 17 من عمري".
لا ينفي الأب رمزي أن المشكلات التي ذكرها أعلاه، كانت من نصيبه وواكبته إلى حين دخوله الدير بحيث ان نسبة الـ 50 في المئة كانت بمثابة هروب إلى الدير. إلا أنها انفجرت وانجلت قبل اتخاذ القرار النهائي بتكريس حياته للكهنوت، وكان ذلك عن وعي وتصميم. يشكر ربه الذي منحه نعمة المعرفة والتمييز بين المشكلات والأزمات التي كانت وراء دعوته. برأيه، اختاره الرب على هذه الدرب ليساعد الشباب ويبقى إلى جانبهم يعرّفهم الى يسوع المسيح لتكون أمامهم فرصة الإنتقال من حياة العقد والشعوذة والخوف إلى حياة المحبة والسلام ونشر كلمة الله وتمجيد اسمه.
ما الذي حُرم إياه الأب رمزي في حياته مقابل دعوته؟ وهل يشعر بالندم؟
"ما شعرت بندم لمرة أو تراجعت عن قراري، مع العلم أنني أعتبر نفسي حُرمت عدم وجود ابن في حياتي، وبدأ ينتابني هذا الإحساس وأنا في سن الـ 35".
ولد فقط من دون امرأة؟ "تخطيّت فكرة الشريكة والتجارب الجنسية. وتعود مسألة التعلّق بالولد إلى الخوف من الموت والبحث عن الإستمرارية. والشيء الذي يعوّض عن الزواج والجنس والأولاد هو الإنسان الذي يعطي ذاته من خلالهم. وعندما يعطي الكاهن من ذاته للاخرين فهذه طريقة أخرى للعيش تعوّض عن الحياة الزوجية والجنسية والأبوة أيضاً". وطموح الأب رمزي ان يموت في قلب المعركة...
الأخت جوزفين
نالت جوزفين إجازة في العلوم السياحية، وتنقّلت بين وظائف عدة وعاشت حياتها برفاهية بعيدة عن الأزمات والمشكلات النفسية. إنها الفتاة الوحيدة والمدللة عند ذويها...
أبت جوزفين بو منصف من رهبانية مار يوحنا المعمدان ان تسير عكس دعوتها الربانية. ومع أنها تركت خلفها غصة كبيرة حفرت داخل قلبي والديها وشقيقها الوحيد، دخلت الرهبانية وتخلت عن مباهج الحياة. "من أنا وصغيرة، كل ما بلتقي براهبة ما بشيل نظري عنها لتختفي عني. دخلت الدير في عمر الـ 26. تأخرت ربما لإني درست قراري جيداً حتى لا أندم عليه يوماً". اختبرت ما تريده من الحياة حتى بلغت عمراً أصبحت فيه أكثر نضجاً.
ما الذي جذبك الى دخول الرهبانية طالما أن حياتك كانت ممتلئة وكنت تمارسينها بشكل طبيعي؟
"لم تراودني فكرة ان أكون راهبة. بكل صراحة، التحاقي بالرهبانية هي علامة غريبة، دعوتي سبقت تفكيري وقلبي".
كان هدفها ان تنتسب إلى الدير، شرط ان تحمل الشهادة في يدها. لم يكن يعنيها الإختصاص بقدر اهتمامها بتلقي المزيد من العلم والمعرفة، لانها اكتشفت دعوتها.
هل جوزفين سعيدة بخيارها؟
"طالما اني في كل اختبار أعيش أموراً جديدة وغريبة، فهذا يعني ان دعوتي تتثبت أكثر فأكثر. انا سعيدة في الوقت الذي أجد فيه ذاتي تتحقق من خلال دعوتي وتكريس حياتي للرب".
جوزفين في انتظار النذر الأخير أي النذر المؤبد لتصبح راهبة بعد سبع سنوات من التزامها الحياة الديرية.
الأخ زياد
شاب ديناميكي، تليق به حياة المرح والترفيه. هكذا عاش الأخ زياد نصار 33 سنة من عمره بنمط حياة لا تختلف عن اقرانه من الشباب. تعلّم هندسة الديكور، وتنقل في وظائف عدة، إضافة إلى كونه لاعب كرة السلة في فريق الحكمة ومن هواة السباحة والتمارين الرياضية على أنواعها.
ما الذي دفع زياد إلى تحويل حياته حياة الرهبنة بعد 33 سنة؟
"مذ كنت طفلاً حين التقي كاهناً، اطرح عليه السؤال: كيف اكتشفت دعوتك لتصير راهباً أو كاهناً؟ صحيح أنني ملتزم دينيّاً ولكني لم أكن متأثراً بحياة الرهبنة إلى حين بدأت أتردد إلى مدرسة الإيمان مساء كل اربعاء في دير الآباء اللعازريين في الاشرفية، وباشارة غير منظورة من يسوع لمست أنه يتكلم معي من حيث لا أدري. عندها، اكتشفت أن دعوتي هي الإنتساب إلى الدير".
ومع ان زياد كان يستعد للإرتباط بفتاة، إلا أن القدر شاء وبدّل خياره ومسار حياته إلى حياة الرهبنة. مضت السنة الأولى على اختبار زياد الأول وهو يعيش بامتنان شديد حيال ربه الذي منحه هذه الدعوة. "اختبرت تجارب كثيرة في رحلة حج إلى سيّدة لورد تأكدت من خلالها أن النعم انهالت عليّ ولا يمكن أن أفرط بها".
كيف تقبّلت عائلتك ومحيطك الموضوع؟
"حتى هذه اللحظة لا يزال والدي يرفض الفكرة. كان يتمنى لي مستقبلاً يختلف تماماً. هذا خيار يسوع وليس خياري. أنا مش أكرم من ربّي. عم باخد أكتر ما عمبعطي".
الأب نقولا
"اترك كل شيء واتبعني" هكذا لبى الأب نقولا رياشي الراهب الشويري (29 سنة) نداء يسوع الذي دعاه إلى حياة الرهبنة وهو في مخاض لبناء مستقبله. لمس دعوته في السنة الأخيرة من تحصيله العلمي في هندسة الديكور، وبات هذا النداء يشتدّ قوةً يوماً بعد يوم حين كان في العشرين من عمره.
هل كان سهلاً على نقولا ان يتخلى عن كل ملذات الحياة وخوض غمار حياة جديدة؟
"اكتشفت دعوتي عن وعي ونضج ولم أعش لحظة شك طيلة فترة الإختبار. في المقابل، ما واجهته وتصارعت معه هو رفض عائلتي بالمطلق للفكرة بدليل أنهم قطعوا الإتصال بي طيلة سنة الإختبار في الدير. كان همي الوحيد أن أقنع أهلي بالخيار الذي اتخذته".
لا ينكر الأب نقولا أنه كان يرغب في الزواج وفي أن يكون أباً صالحاً. في الوقت عينه، اكتشف أن الكاهن هو بمثابة أب للجميع والرعية هي زوجته. "فتحوّل هذا الحب من شخص معيّن يقتصر على العائلة إلى حب أشمل للرعيّة وأبنائها".
ما الرتبة التي يطمح إليها مستقبلاً بعدما ارتسم كاهناً؟
"لا تعني لي التراتبية في مجال الكهنوت. الكاهن الناجح يوازي أي رتبة مهما كان شأنها، لإن نجاح الكاهن هو في اقتناعاته الذاتية لان الكهنوت جوهرة ثمينة لا تقدّر برتب ولا بالمظاهر، وبحسب إختباري، انها مشروع للقداسة". هل يندم؟ يجيب: "قد يمر الراهب في اوقات صعبة تضع رسالته على المحك، وقد يشعر بالوحدة احياناً اذا لم يجد من يواصل احتضانه بالمحبة في الحياة الديرية. وهنا الفارق بين من اجبرته الظروف ربما على دخول الدير وبين من تولد لديه اقتناع شخصي بالدعوة، اذ غالباً ما يغري نفسه في حياة سيده المسيح الذي انتصر بالألم، ويعتبر انه يشاطر المسيح الامه".
الى ذلك، يقول الاب رياشي ان مراجعة الذات أمر ضروري، وتقويم الذات أمر ضروري، وهو لا يرى مانعاً في ترك الحياة الديرية لمن يجد ان خياره كان خاطئاً مئة في المئة. وهذه ليست حاله، اذ انه يؤكد اقتناعه وفرحه وسروره برسالته رغم عقبات قد يواجهها في حياته.
ويختم رداً على سؤال عن الحياة العاطفية "الحب شعور نستمده من داخلنا ومن الاخرين. ونحن نحتاجه، لكننا عندما نمتلئ بنعمة يسوع نعيش اكتفاء في الحب، وعندما نجد الجو الديري الصالح والرعية الجيدة والاصدقاء المحبين، نعوض ما ينقصنا، أما المشاعر الضرورية فنستمدها ايضاً من عائلاتنا، اهلنا، واخوتنا، وابنائهم".
الأخت ناتالي
طلبت... فوجدت. والسؤال المطروح: هل كان طلبها عن وعي وتصميم وهي في المناولة الأولى في التاسعة من عمرها؟ ماذا سألت يسوع حينها؟
"سألت يسوع أن اصبح راهبة كالأخت منى نصار".
الأخت ناتالي التوم من الراهبات الباسيليات الحلبيات عاشت منذ الطفولة وترعرعت في جو الراهبات. تابعت تحصيلها العلمي في دير سان ميشال للراهبات، مما زادها تعلّقاً بنمط حياتهن وطريقة عيشهن. نذرت العفة والفقر والطاعة وهي في سن المراهقة. مرّت في الإختبار الأول ثم عادت إلى متابعة دراستها، وهكذا دواليك... إلى حين اصبحت راهبة مع مرور 29 سنة في هذا المشوار الطويل. "لو عادت بي عقارب الساعة إلى الوراء سأعود إلى الرهبنة والرسالة وأقف الى جانب الأشخاص المحتاجين والأيتام". وتناشد الأخت ناتالي رئيسة ميتم الطفولة السعيدة في زرعايا، الشابات اللواتي يبحثن عن دعواتهن الى زيارة دير سيّدة البشارة في زرعايا ودير مار مخايل في زوق مكايل اللذين يحتضنان كل شابة لاكتشاف دعوتها.
الأب قزحيا
أسبوع واحد غيّر مسار حياة الأب قزحيا الراهب الأنطوني وقلب خياراته رأساً على عقب. "بعد نيلي شهادة الفلسفة، كنت مصمّماً على خوض المجال الرياضي. إلا أن شعورا غريباًً انتابني بعد قداس ذاك الأحد الذي شاركت فيه. لجأت فوراً إلى كاهن الرعية وطلبت إليه أن أدخل الدير، وهكذا كان".
هل دخول الأب قزحيا حياة الرهبنة كان رد فعل على شيء أم هروباً من ظروف ومشكلات معيّنة؟ "لم يكن لدي أي تصوّر مسبق أو تحضير لهذه الفكرة، إنّما روح الله اشتعلت بقلبي وبدو إياني كون صورة على مثاله. مررت بتجارب وصراعات عديدة في أولى سنوات الإختبار لإتمكن من اكتشاف حقيقة دعوتي".
15 سنة من السير على هذه الدرب، وهدف الأب قزحيا لا يزال تكريس حياته للرب ونشر رسالته بين الشباب من خلال مرافقتهم بصورة مستمرّة.
تمييز الدعوات
ما هي المعايير المعتمدة في فحص الدعوة إلى الرهبنة؟
المسؤولة عن الدعوات الرهبانية في رهبانية مار يوحنا المعمدان الأخت صوفيا آصاف كشفت ان تمييز الدعوات علامات تظهر بواسطة الله إن عبر أشخاص أو جماعة.
"هناك علامات خاصة يمنحني إياها ربّي في عمليّة تمييزي للدعوات، يرافق ذلك ترقب حال تأقلم الشابة مع ذاتها وضمن الجماعة في الدير وتأقلمها الطوعي، والحفاظ على طابعها الشخصي والتخلي عن اقتناعاتها الخارجية للعيش في جو الرهبنة بفرح وسلام داخلي، وتفاعلها مع نعمة الله. عندها، ومن خلال طريقة عيشها نتمكن من اكتشاف حقيقة دعوتها".
هل واجهتِ نماذج من الدعوات نتيجة هروب من مشكلات وأزمات نفسيّة؟
"بالتأكيد، واجهنا مثل هذه الحالات مع اكتشافنا للدعوة بفضل المرافقة الروحية لكل شابة". وأكدت: "لن نستقبل مثل هذه النماذج، لان الدير ليس المأوى أو الملجأ للعلاجات النفسية والأزمات المعقدة. كل ما نقوم به هو مساعدة اولئك الشابات على الخروج من مشكلاتهن واعادتهن الى محيطهن ومجتمعهن".
تراجع عدد الدعوات في العالم
تبين الارقام المنشورة أخيراً ان عدد الدعوات الرهبانية والكهنوتية في العالم قد تراجع. والاسباب عديدة وفق أحد المسؤولين عن الدعوات الأب أندره:
1 – ازدياد الالحاد في العالم، وجنوح الناس الى الحياة المادية على حساب القيم الانسانية.
2 – العلمانية المسيطرة في اميركا وأوروبا، والتي تبعد الاولاد عن الكنيسة، وبالتالي تنشىء أناساً ماديين لا يعطون أنفسهم الوقت الكافي لسماع صوت الرب.
3 – ازدياد المغريات في عالم اليوم، مما يجعل من الحياة الرهبانية أكثر تعقيداً رغم التسهيلات التي باتت متوافرة للرسالة حالياً.
4 – التفكك الاسري الذي ينشىء أولاداً غير متوازنين في العقل والقلب، مما يبعدهم عن الخيارات الصعبة في الحياة، وتلك التي تحتاج الى تضحيات.
5 – عدم تقديم الكنيسة المثال الجيد في كل الحالات والحملات التي تنظم ضدها لابراز اخطاء الكهنة والرهبان، مما يبعد عدداً من الشبان عن هذا الخيار.
راهب نادم
من الصعب جداً ان يعترف راهب بندمه بعد ان يكون تقدم في العمر، وأمضى نحواً من خمسين عاماً في الرهبنة. انه واحد من الذين عملوا بجد ونجح في عمله، مساهماً في تشييد مدارس، وترميم الاديار، واستصلاح أراض للدير، لكنه بدأ يعاني من الوحدة بعد التقاعد. ووجد نفسه أسير راهب آخر عينته الرئاسة مسؤولاً عنه وعن عدد آخر من الرهبان العجائز.
وجد الراهب العجوز نفسه كئيباً، لان أي مهمة لم تعد تسند اليه، كأي متقاعد آخر. لكن الموظف المتقاعد قد يتلهى بأمور عائلته، والحال تختلف لدى العازب.
يخرج من غرفته للصلاة ولتناول الطعام، وقليلاً ما يقصد الصالون للقاء الناس، اذ ان الرئيس الجديد لا يستلطفه، ويعيش عقدة تجاهه، لذا يفضل ان يستقبل زوار الدير وحده.
صار الراهب العجوز وحيداً، لا سلطة لديه، اذ انه يحتاج الى طلب المعروف من رئيسه، وحتى الصحيفة التي اعتاد قراءتها استبدلها الرئيس الجديد بأخرى أقل ثمناً، ووضع القوانين لاستعمال سيارة الدير، وكذلك الهاتف.
بات يشعر بثقل الحياة، وصار الشعور بالندم على ما بذله من جهود ينتابه في ساعات الليل. ذرف دموعاً في احدى الليالي الحالكة والباردة، لكنه بات عاجزاً عن الرجوع الى الوراء.
هل هو شعور بالندم، أم بالقرف؟ لا فرق. لكن الاكيد انه ليس تشكيكاً بالدعوة في أساسها وانما في طريقة العيش.
الفارق بين الراهب وكاهن الرعية
ثمة فارق في الحياة الكهنوتية المسيحية بين الراهب والكاهن. فالثاني هو الذي يخدم الرعايا ويهتم مباشرة بالناس في المناطق والقرى ويتبع مطران الابرشية، ويحق لهذا الاخير ان يتزوج وينجب أولاداً شرط ان يتم ذلك قبل رسامته كاهناً.
اما الراهب، فهو الذي ينتسب الى احدىة الرهبانيات ويعيش في أحد الاديار ويأتمر بالرئيس العام، وهو في الاصل يخصص حياته للصلاة والحياة الديرية من دون العمل في الرعايا. لكن الفكرة تطورت وخرج الرهبان من عزلتهم واهتموا بالمدارس والجامعات والمستشفيات، وخدم بعضهم الرعايا حيث تدعو الحاجة. وهؤلاء لا يتزوجون، وهم مثل العسكر تأمر الرئاسة العامة بنقلهم من مكان الى آخر في بلدهم أو خارج الحدود مرة كل 3 سنوات.
نذور الراهب؟
ينذر الرهبان عادة ثلاثة نذور مؤبدة هي الفقر والطاعة والعفة، فلا يملكون المقتنيات الشخصية الغالية الثمن، ويأتمرون بإمرة رؤساء الاديار، كما ويلتزمون العفة اي الابتعاد عن الزواج والجنس.
لكن الامور الثلاثة صارت في عصرنا موضع شك لدى كثيرين، اذ تكررت حوادث كثيرة في حياة الرهبان في لبنان أو في العالم. فمظاهر الفقر غابت عن كثير من الاديار، وبات الرهبان والراهبات يملكون السيارات الفخمة، والمقتنيات الغالية الثمن، ووقع بعضهم في فخ العلاقات الجنسية، وقد أثيرت أخيراً فضيحة التحرش الجنسي لعدد من الكهنة في الولايات المتحدة الاميركية. اما الطاعة فقد تراجعت قياساً الى ما كانت عليه، وقد اضطر العديد من الرهبان الى ترك أديارهم لعدم قدرتهم على التزام أمر الطاعة، او واجهوا مشكلات مع رؤسائهم دفعتهم الى اختيار السفر للابتعاد عن مراكز السلطة، والعيش بحرية نسبية.
Comment