المؤيدون: الإعدام السبيل الأمثل للحد من انتشار الظاهرة ورادعاً قوياً لمن تسول له نفسه
الرافضون: لا ضمان بان إعدام المجرم سيحل المشكلة ولا أحد له الحق قرار إيقاف حياة شخص
محام: انجح الحلول هي بإدخال "حقوق الطفل" داخل المناهج الدراسية
تناول باب مثير للجدل في سيريانيوز موضوع "عقوبة الإعدام لمغتصبي الأطفال"، واتفق الجميع حول بشاعة الفعل والرغبة بالردع، لكن الاختلاف تركز حول مدى نجاعة العقوبة الرادعة والمعالجات التي من شأنها أن تحد من هذه الجرائم وتحمي أطفالنا وتحصنهم.
احتدم النقاش لأكثر من أسبوع واختلفت الآراء مع تفوق ملحوظ لنسبة مؤيدي تطبيق الإعدام، لما يحمله الفعل من شناعة، مطالبين بتشديد العقوبة في القوانين المعمول بها لتصل إلى الإعدام كي لا يكون الأطفال لقمة سائغة وسهلة المنال، فيما رفض معارضو الإعدام تطبيقه معتقدين بأن هناك عقوبات أخرى رادعة يمكن الأخذ بها، كالسجن مع الأشغال الشاقة المؤبدة، مشددين على دور التوعية الاجتماعية والأخلاقية للحد من ظاهرة الكبت التي دفعت برأيهم بعض الأشخاص لاغتصاب براءة هؤلاء الأطفال، معتبرين بان المغتصب هو ضحية أيضاً ونتاج المجتمع، لافتين لضرورة نشر الوعي لأسباب الظاهرة وكيفية معالجتها عبر المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية.
تقوم سيريانيوز بعرض لأهم الأفكار التي قدمها الضيفان والمعلقون من خلال تعليقاتهم المؤيدة والمعارضة لعقوبة الإعدام لمغتصبي الأطفال.
لا وقت لتطوير الثقافة ولابد من قوانين رادعة
نادى القاضي الجزائي السابق نزيه معلوف بتطبيق عقوبة الإعدام على كل من تسول له نفسه بانتهاك براءة الأطفال، وطالب باعتبار هذه الجريمة مثلها مثل جرائم القتل الأخرى التي تصل عقوبتها إلى الإعدام معتبرا أنها ليست أقل خطورة وقال" جاء بالمادة /498/ (لا تنقص العقوبة عن 15 عام إذا أدت إحدى حالات الاغتصاب إلى الوفاة وعلل ذلك بأن الفاعل لم يكن بنيته إرادة الوفاة) وفي ذات الوقت يتم تطبيق عقوبة الإعدام لمن يقتل شخص بالغ راشد وقادر على الدفاع عن نفسه، رغم أن الطفل الذي يُقتل جراء تعرضه للاغتصاب قاصر بكل شيء، قاصر بإدراكه وعقليته وأفعاله وهو أولى بالحماية من الإنسان البالغ الذي يقع عليه اعتداء ما، يجب على الأقل أن نعطي الطفل ذات حقوق الرجل، رغم أنه يستحق أكثر كونه أجدر بالحماية".
كما رأى معلوف أن" لا وقت لتطوير الثقافة والمجتمع في هذا المجال، خاصة في ظل موجة الاعتداءات العنيفة التي تحدث في سورية، لذا لا بد من وجود تشريع حازم جداً للحد منها، وبعد ذلك يمكننا الوقوف على أسباب هذه الظاهرة وإيجاد السبل لمعالجتها وان هذا ممكن أن يأخذ وقتا طويلا ويمكن وقوع آلاف من الضحايا خلال هذا الوقت لذلك لابد من إجراء حازم لحين إيجاد هذه الأسباب ومعالجتها بالتوعية الاجتماعية وغيرها, كما أنه لا يوجد شيء يمنع من طرح عقوبة الإعدام، حيث أن مجلس الشعب هو السلطة التشريعية في البلاد ويمكن لهذه المؤسسة أن تطور القوانين بما ينسم مع مصلحة المجتمع، وخاصة وأننا نعتمد هذه العقوبة في بعض الجرائم كما ذكرنا حيث يوجد لدينا عقوبات في أبواب مختلفة تفرض عقوبة الإعدام على مرتكبيها ".
ذريعة "الكبت الجنسي" عذر غير مقبول
وبعد قراءة القاضي معلوف للتعليقات التي اختلفت مع رأيه حيث رأى أغلب معارضيه بأن عقوبة الإعدام لا تتماشى مع مجتمعنا الذي يعاني من الكبت الجنسي، وفي حال طبقت فسوف نعتاد على محاكمات الإعدام التي ستتكرر هذا ما يدفعنا للتفكير بالوقاية الاجتماعية من خلال التوعية، وقام معلوف بالرد عليهم وجاء في رده" يجب أن لا ننسى أن العقوبة هي ليست علاج وإنما هي رادع فهي تحمل طابع الوقاية وليس العلاج، وإذا ارتكب الإنسان جريمة نعاقبه لأنه يستحق هذا الجزاء على المستوى الفردي.. لكن على مستوى الجماعة العقوبة يجب أن تكون رادعة ،بمعنى أن تكون وقاية للمجتمع بحيث لا يقدم غيره على نفس الجرم".
أما بخصوص تطبيق حكم الإعدام في مجتمعنا التي تعاني من الكبت الجنسي فقال" هذا التفسير غير مقبول لأن هذا يبرر ارتكاب الجرم تحت ذريعة الكبت الجنسي فهل هذا يعني إذا كان مجتمعنا يعاني من كبت جنسي فيجب أن نترك المجال للناس ان ترتكب الجرائم الجنسية وخاصة ضد الأطفال؟ هذا كلام خطير جدا ولا يجوز إطلاقا، لأنه بالأساس الإنسان منذ ظهور الخليقة تنظمه قواعد وقوانين فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية وهذه القواعد والقوانين بدون جزاءات تبقى قواعد أخلاقية، أي لا تقتل، لا تزني، لا تسرق، دون عقوبات رادعة أو جزاءات مرافقة يبقى تطبيقها خاضع لمزاجية الشخص وأخلاقياته، وبالتالي في مجتمعنا خاصة نقول انه يوجد كبت جنسي ما يعني أننا فتحنا الباب على مصراعيه للتشجيع على الفعل".
أثبتت التجربة بعدم تحقيق الإعدام للردع
بالمقابل كان للدكتورة كندة شمّاط (دكتورة في جامعة دمشق/كلية الحقوق، وناشطة في حقوق الطفل والمرأة)، رأياً مغايراً لما طرحه القاضي معلوف حيث رأت بأن "عقوبة الإعدام ليست رادعة وهي راحة للجاني غالباً، كما رأت بأن معرفة الأسباب التي دفعت الجاني لمثل هذا الفعل أكثر أهمية من المطالبة بإعدامه وذلك لوقاية المجتمع من المرض قبل إصابته وقالت"ما الفائدة من إعدام الجاني؟؟.. حيث أثبتت التجربة أنها عقوبة ليست رادعة بل هي في أغلب الأوقات راحة بالنسبة للجاني، ولو كانت فعلا رادعة ما كنا نشهد جرائم القتل في الأصول والفروع أو الخيانة مثلا حيث أن الجريمتين عقوبتهما قد تصل إلى الإعدام، كما أن هناك العديد من العقوبات التي بإمكانها أن تردع الجاني ومنها عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة".
وتابعت شماط "برأيي أيضاً أننا اهتممنا كثيراً بمعاقبة هذا الجاني حتى أهملنا الضحية التي وقع عليها الجرم ولم نجد آليات حماية لها، حيث لا أرى نص يقول بإعادة تأهيل الضحية وإعادته لطبيعته من خلال المعالجة النفسية من قبل أخصائيين حتى نحاول أن ننسيه ما حصل على نفقة الجاني مثلا, لأننا في ظل إهمالنا للطفل الضحية سنحصل إما على شخص يَغتصِب في المستقبل أو شخص معقد نفسياً ومنزوي عن المجتمع، وهذا ما لم تتناوله ولا مادة قانونية، كما أننا لم نبحث بالأسباب التي دفعت الجاني لارتكاب هذا الفعل، وما الذي أثاره في هذا الطفل الذي يفترض انه يبعث بشعور البراءة لأي شخص ينظر إليه، فنشر التوعية الاجتماعية والتربية الجنسية للطفل بمعناها الحقيقي وليس كما يفهمها البعض، سيوفر وقاية للمجتمع قبل حدوث الفعل، وهذا أهم من انتظار حدوثه والمطالبة بإعدام الفاعل".
عدم الاهتمام بالتربية الجنسية أمر سلبي جداً
وبعد قراءة الدكتورة شمّاط تعليقات معارضي ما طرحته الذين وجدوا بأن عقوبة الإعدام سوف تساهم بشكل كبير بردع المجرم عن انتهاك براءة الأطفال، حيث أن مجرد ذكر كلمة الإعدام هي بحد ذاتها رادع، متسائلين عن سبب عدم مطالبة الدكتورة بإزالة عقوبة الإعدام عن القتلة وذلك بما يناسب المنطق التي نادت به، قامت بالرد عليهم بالقول"نرجع للسياسة الجنائية في كل دول العالم، إلى اليوم لم يثبت أن هناك عقوبة رادعة ولحد الآن، كما أن أحد الفقهاء بقول: إن المجرم عند ارتكابه جريمته او تردده ذلك ليس خوفا من العقوبة لكنه تردد بسبب تساؤله فيما ستُكتشف أم لا.. وإذا سألنا أنفسنا ما الذي يثير المعتدي في جسم الطفلة أو الطفل، سيكون أحد الأجوبة أن من أسباب اغتصابه الأطفال هو الكبت الجنسي، وهي بالتالي ليست مسؤوليته لوحده وإنما مسؤولية المجتمع ككل، كوننا كمجتمع لا نهتم بالتربية الجنسية وهذا أمر سلبي جدا".
وحول إزالة عقوبة الإعدام عن القتلة وفقا لمنطق الدكتورة ردت "مرتكبو جرائم القتل او غيرها قد يتوفر أكثر من دافع أو سبب لإقدامهم على مثل هذا الفعل ومن غير الضروري أن يكون الهدف دائما دنيء، فعلى سبيل المثال هناك ناس كثيرون تقتل دفاعاً عن النفس، أو القتل الغير مقصود، وفي حالة الجرائم الجنسية يهمنا أن ينال الفاعل عقوبة تناسب جريمته، والقاتل مثل ما انهي حياة شخص فعقوبته إنهاء حياته العقوبة على مقدار الفعل وجسامته".
تجربة شخصية لاحدى المعلقات
وكما جرت العادة حيث كان للمعلقين القول الفصل في تقبلهم أو رفضهم لفكرة "إعدام مغتصبي الأطفال"، واستعرضت سيريا نيوز بعضا من التعليقات المؤيدة والمعارضة.
ومن احد التعليقات كانت لسيدة أطلقت على نفسها اسم "مغتصبة" قالت أنها تعرضت للاغتصاب من احد أشقاءها عندما كانت صغيرة وقالت"انا تعرضت للاغتصاب بصغري ولمرات عديدة من قبل أخي وإلى ألان لم استطع ان أتذكر اول مرة وكنت أخاف أن أتكلم، لأن السلطة في بيتنا هي حكر على الذكر، وعمري الآن 47 سنه تزوجت ولدي زوج متفهم وأحيانا أخاف منه أثناء تواجدنا سوية، فما رأيكم ألا يستحق هذا الشخص الإعدام؟ حتى لو كان أخي ..كما أنني أعلم انه اعتدى على أكثر من شخص ذكورا وإناثا، ويعيش حياته بشكل عادي وأنا شخصيا أتمنى أن ينعدم آلاف وآلاف المرات".
ورأى معلق آخر تحت اسم (المهندس) "اعتقد أنه في حالات اغتصاب الطفل، الإعدام ضروري وفي حالات الاغتصاب الجماعي المترافق مع التهديد والعنف ضروري، وأؤكد على إعدام مغتصب الطفل لان الطفل لا يفعل شيء لإثارة الغرائز.أظن ان مرتكب هذه الجرائم لن يفكر أثناء سجنه لماذا ارتكب هذه الجريمة وحال خروجه من السجن سيعيد ارتكابها. يجب تشديد القانون بشكل عام".
وقال ali) )" مؤخراً كثرت حالات الشذوذ الجنسي في مجتمعنا بصورة غير مسبوقة، وهي ماضية في ازدياد ولن تتوقف عند حد معين . وحالات اغتصاب الأطفال من أقبح الجرائم التي قد ترتكب . فالاعدام هو السبيل الأمثل للحد من انتشار هذه الظاهرة. كما أقترح بأن لا يتم الإعدام بالطريقة التقليدية بل حرقاً ليكون رادعاً قوياً لمن تسول له نفسه. وحجم الجريمة يتناسب بعض الشيء مع هذا المقترح".
يجب معرفة جذور المشكلة قبل المحاسبة
بالمقابل كانت هناك تعليقات رافضة رفضا مطلقا لعقوبة الإعدام بشكل عام معتقدين بوجود عقوبات بديلة بإمكانها توفير عامل الردع المرجو حيث يقول (مهند) " أنا ضد الإعدام بشكل مطلق، و يفترض أن يكون دور القانون هو تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية بأسلوب علمي وتربوي، ومالضمان أن بإعدامنا المجرم ستحل المشكلة؟ وبرأيي أن لا أحد له الحق قرار إيقاف حياة شخص، مهما بشاعة فعلته، عندها سنقدم على عمل أشنع من الفعلة التي قام بها هو ولكن (تحت غطاء القانون الذي وضعه البشر أنفسهم)".
كما علق (Ibrahim) بقوله" يجب علينا معرفة الأشياء والأحوال التي جعلت شخص ما يقوم بهذا الفعل ودراستها وتحليلها لكي تمكننا من إيجاد حلول وذلك قبل المحاسبة لأنه عندما نحاسب شخص من دون ان نجد حلا للمشكلة التي خلفها ورائه فنحن لم نستفد اي شيء سوى إننا أرحنا أنفسنا قليلاً، وحينما وجدنا 5 او 4 جثث معلقة وسط ساحة باب الفرج الصيف الماضي ارتدعنا كلنا ولكن عادت هذه الأشياء للظهور وبقوة أكثر".
ورأى (ابن السريان) بأن" الأعمال القذرة هذه عبارة عن مرض خطير يتفشى في كافة المجتمعات وبالأخص في البلاد التي تعاني من الكبت الجنسي, فالحل الجذري ليس بالإعدامات إنما في معالجة المشكلة من جذورها كما قلت، وخلاف لذلك هو إرهاب وتعدي على الحياة رغم ان العلاج يجب ان يرافقه الحكم على الفاعل بالسجن مع العلاج للتخلص من شذوذه ، فالحل هو الاعتراف بوجود هكذا أمراض ومعالجتها".
الكثير من الادعاءات بغاية الابتزاز
وللوقوف عند مدى قبول عقوبة الإعدام في أماكن النطق بالحكم وتحت أروقة المحاكم كان للمحامي عاصم أسعد رأي في هذا الموضوع وقال " لا يمكننا إنكار وجود العديد من القضايا المتعلقة بالتحرش واغتصاب الأطفال، طبعا مع وجود ألاف منها التي لم تخرج عن نطاق العائلة وبقيت سرية لخوف الأهل من الفضيحة كما يجري في أغلب المناطق الريفية في سوريا، وهنا بالفعل لا بد من وجود قانون يردع هؤلاء المجرمين الذين يقومون بانتهاك براءة الطفولة، ومع ذلك فأنا ضد عقوبة الإعدام بالمجمل مع التحفظ على طبيعة بعض الجرائم من هذا النوع، حيث ان هذه القضايا حساسة جدا كما للأسف يوجد كثير من حالات الادعاء الكاذبة والتي هي بغرض التشهير أو بغاية الضغط على شخص ما، وقد شهدت المحاكم العديد من حالات ادعاء بعض الأهالي على أشخاص بتهمة التحرش بابنتهم القاصر وذلك بغرض دفعه للزواج منها أو طمعاً بمبالغ مالية كنوع من الابتزاز".
عقوبة السجن رادعة لكن سجوننا "خمس نجوم"
وفيما يتعلق بنجاعة التوعية الاجتماعية للتخلص من هذه الظواهر يوضح" لا يمكننا الاتكال على التغيير الذي ستحدثه عمليات التوعية الاجتماعية والأخلاقية، حيث أن أثرها سيكون على المدى الطويل، رغم فعاليتها القوية وأعتقد أن انجح الحلول هي بإدخال "حقوق الطفل" داخل المناهج الدراسية لتعريف الطلاب بمدى قيمة الطفل وهذا سيخلصنا مستقبلا من 70% من حالات انتهاك حقوق الأطفال التي تشهدها سوريا، وفي ذات الوقت لا بد من تطبيق العقوبات القاسية بحق المنتهكين وذلك من مبدأ استيفاء حق الذات، حيث أن الإنسان بطبيعته لا يمكن أن يتغاضى عن حقوقه وحقوق أطفاله، هذا ما سيدفع اهل الطفل المنتهك جسده إلى الاتيان بأخذ الثأر في حال شعوره بأن المجرم لم يعاقب جراء فعلته".
وحول العقوبات الحالية ومدى ردعها يقول المحامي أسعد" عقوبة السجن هي عقوبة رادعة لكن للأسف سجوننا لا تفعل دورها بدفع المجرم للشعور بالندم لما اقترفت يداه، حيث أن السجين يفتقد فقط لحريته أما ما تبقى فهو يعيش حياة طبيعية جدا وكأنه في فندق خمس نجوم، هذا ما يجعله غير نادم على ما فعل، وفي هذه الحالة يجب دفعه للإحساس بالندم وهذا عن طريق وضعه في أماكن صحراوية ربما أو أماكن معزولة ليشعر بأنه إنسان منبوذ وان فعلته لن تمر دون أن يعاقب عليها، حيث أنه لم يقم باهانة الطفل فقط بل أهان المجتمع بكامله، بسبب شعور الأهالي بالخوف على أطفالهم من خروجه إلى الشارع والبقاء بحالة ذعر لما يسمعونه من حوادث من هذا النوع، كما أؤكد فعالية الحل الذي اقترحته الدكتورة كندة وهو السوار الالكتروني، الذي يمكن عن طريقه تحقيق شعور العزلة الذي يتعرض لها المجرم بعد خروجه من السجن، وهو من انجح العقوبات برأيي".
Comment