همام كدر: الجزيرة توك
ربما المصادفة جعلت يوم الأربعاء بالنسبة للبريطانيين حسب دراسة أجريت مؤخرا هو اسوأ أيام الأسبوع، وبالنسبة لأهالي مدينة حمص السورية هو أسعد أيام الأسبوع منذ مئات السنيين ليس ذلك فحسب بل هو عيد الحماصنة الأسبوعي ويدعى أيضا بعيد المجانين. شائعة ملتصقة بأهلِ حمصَ منذ زمن بعيد وصلت إلى العالم العربي كله بل إلى أوربا وأميركا ودول عديدة، وهي أن يوم الأربعاء مرتبطٌ بالفكاهة عند الحماصنة أو ما يسمى (بالجدبة الحمصية)، فيقول البعض أن يوم الأربعاء هو عيد الحماصنة
في إشارة لاتهام الحماصنة بالبلادة الفكرية أو السذاجة، وقد انتشر في هذا الشأن عددٌ لا يحصى من النكات ولعل أول سؤال يواجه أي حمصيّ يخرج من مدنيته إلى أي بلد هو عن آخر نكتة حمصية.
حمص مشهورة بأنها بلد الدراويش والمبروكين على الرغم من أنها خالية من التسول رسميا. وتعرف كذلك ببلد الموظف فهي تنام الساعة العاشرة نتيجة ضعف حركة الأسواق والتجارة بشكل عام مقارنة بدمشق وحلب. أما قصة يوم الأربعاء فهناك روايات عديدة عن هذا الموضوع منها أنه ومنذ حوالي 600عام هجري عندما أتى عامل معاوية عمرو بن العاص حاكم سورية وبلاد الشام في تلك الفترة إلى حمص، بقصد تسيير الجنود إلى صفين مستحثاً أهلها في الإسراع إلى ساحة المعركة (التي كان يخوضها ضد البيزنطيين)، صادف ذلك أن كان يوم أربعاء، فقال أحد الحمصيين باسم الجميع بقصد تأجيل المسير يوماً أو يومين (بإذن الله ننطلق معكم على بركة الله بعد صلاة الجمعة فنحن نحب هذه الصلاة وليس لنا رغبة في أن تفوتنا) فأجابهم عمرو فوراً وهو أحد الدهاة الخمسة أيضاً: “نقيمها لكم اليوم الأربعاء بدلاً من الجمعة، فأين الضرر في ذلك؟”، فوافق الحمصيون بل واستحسنوا الأمر وأقاموا صلاة الجمعة يوم الأربعاء، فقيل عندها عن الحمصيين بأنهم يعيدون في يوم الأربعاء.
وفي كتابه الذي أعاد طباعته مؤخرا حول جذور النكتة الحمصية يقول الصحافي جورج كدر أن للنكتة الحمصية جذور موغلة في القدم، تصل الى “عيد المجانين” الذي كان موجوداً في العبادات القديمة واندثر، بحسب ما يستعرضه الكتاب. كما أن المؤلف يجد أن لذلك صلات بعبادة اله الشمس في القرن الثالث الميلادي والتي كانت تتم في حمص واتسمت بمظاهر مجون وصخب حتى الهذيان، وهو ما حمل كل من يمر بحمص وقتها على الاعتقاد بأن أهلها مصابون بـ “لوثة جنون”.
وفي هذا السياق، يسلط كتاب “النكتة الحمصية” الضوء على روايات شعبية وتاريخية تحكي كيف تفادت حمص غزو تيمورلنك المغولي عبر استقبال أهلها الحافل له، وتظاهرهم بالجنون ليجنبوا المدينة الدمار. وكانت مدن الشام التي دمرها المغول تتندر بهذه الحادثة بالقول “جدبها اهل حمص على تيمورلنك يوم الاربعاء فعفا عنهم”، ليبقى من لك مع مرورالزمن فقط ما يتعلق بربط “الجدبة” بيوم الاربعاء.
أما الباحث التاريخي نهاد سمعان فيقول أن هناك قصة أخرى تقول أن أحد الرهبان ويدعى سمعان أشاع في حمص طريقة جدية للتعبد وهي نكران الذات والتهبل وذلك عام 550 ميلادي، وعرف بالقديس سمعان المتباله، أو الجاهل، أو المجذوب في العامية. هذا القديس كان محبوباً لخفة روحه وقدم الكثير من المساعدات للمحتاجين، ويقال أن الله عرّفه على يوم مماته ولكن سره كمصطنع للبله لم يكن يعرفه أحد إلا شماس كنيسة حمص الذي كان يخدمه سراً، وكان الصبية والشبان يجتمعون حوله يضحكون لضحكه ويصفقون لحركاته ويجارونه ركضاً وعدواً ويحملونه على الرقص فيرقصون معه، وعندما كان يلمح مريضاً أو معتوهاً بينهم كان بين الضحك واللعب يلمسه فيشفيه.
وانتشر مبدأ أو طريقة التهابل أو التباله وكان للحمصيين الفخر أن يكون مؤسس هذه المدرسة قد اختار مدينتهم لتنطلق دعوته منها ولتحتفظ تربتها برفاته (يقول المثل من أحب شيئاً أكثر من ذكره، والعكس صحيح من كثر ذكره أصبح محبوباً). ومن الجدير بالذكر وحسب الباحث التاريخي نهاد سمعان أنه قبل قدوم هذا القديس إلى حمص لم يكن ما يشير إلى اتهام أهل حمص باللوثة في عقولهم أو بالحمق.
ولا يزال أهل حمص حتى اليوم يكنون للدراويش والمبروكين معزة ومحبة مميزة، والكثير من الحماصنة حتى اليوم يعتقدون بالكرامات التي يتمتع بها بعض الدراويش فيظنون أن من يستهزئ بهم أو يتهكم عليهم سيتأذى. والذي يدخل في عالم المتصوفين وأصحاب الطرق كما يسمونهم اليوم، يلمس مباشرة مدى احترام وتقدير هؤلاء لمدينة حمص وأهلها، فهم يعتبرونها مركزاً روحياً لهم، ومدرسة عريقة تخرج فيها الكثير من عظمائهم، وهي منبع دائم لا ينضب لمريدي طرقهم. وما أكثر ذكر الدراويش في القصص والحكايات الحمصية.
ومن الطريف أن الكثير من الحماصنة يلجأون إلى الجدبة وقت الإحراج فيقال عند هروبه من الإحراج: “جَدَبَها”.
ربما المصادفة جعلت يوم الأربعاء بالنسبة للبريطانيين حسب دراسة أجريت مؤخرا هو اسوأ أيام الأسبوع، وبالنسبة لأهالي مدينة حمص السورية هو أسعد أيام الأسبوع منذ مئات السنيين ليس ذلك فحسب بل هو عيد الحماصنة الأسبوعي ويدعى أيضا بعيد المجانين. شائعة ملتصقة بأهلِ حمصَ منذ زمن بعيد وصلت إلى العالم العربي كله بل إلى أوربا وأميركا ودول عديدة، وهي أن يوم الأربعاء مرتبطٌ بالفكاهة عند الحماصنة أو ما يسمى (بالجدبة الحمصية)، فيقول البعض أن يوم الأربعاء هو عيد الحماصنة
في إشارة لاتهام الحماصنة بالبلادة الفكرية أو السذاجة، وقد انتشر في هذا الشأن عددٌ لا يحصى من النكات ولعل أول سؤال يواجه أي حمصيّ يخرج من مدنيته إلى أي بلد هو عن آخر نكتة حمصية.
حمص مشهورة بأنها بلد الدراويش والمبروكين على الرغم من أنها خالية من التسول رسميا. وتعرف كذلك ببلد الموظف فهي تنام الساعة العاشرة نتيجة ضعف حركة الأسواق والتجارة بشكل عام مقارنة بدمشق وحلب. أما قصة يوم الأربعاء فهناك روايات عديدة عن هذا الموضوع منها أنه ومنذ حوالي 600عام هجري عندما أتى عامل معاوية عمرو بن العاص حاكم سورية وبلاد الشام في تلك الفترة إلى حمص، بقصد تسيير الجنود إلى صفين مستحثاً أهلها في الإسراع إلى ساحة المعركة (التي كان يخوضها ضد البيزنطيين)، صادف ذلك أن كان يوم أربعاء، فقال أحد الحمصيين باسم الجميع بقصد تأجيل المسير يوماً أو يومين (بإذن الله ننطلق معكم على بركة الله بعد صلاة الجمعة فنحن نحب هذه الصلاة وليس لنا رغبة في أن تفوتنا) فأجابهم عمرو فوراً وهو أحد الدهاة الخمسة أيضاً: “نقيمها لكم اليوم الأربعاء بدلاً من الجمعة، فأين الضرر في ذلك؟”، فوافق الحمصيون بل واستحسنوا الأمر وأقاموا صلاة الجمعة يوم الأربعاء، فقيل عندها عن الحمصيين بأنهم يعيدون في يوم الأربعاء.
وفي كتابه الذي أعاد طباعته مؤخرا حول جذور النكتة الحمصية يقول الصحافي جورج كدر أن للنكتة الحمصية جذور موغلة في القدم، تصل الى “عيد المجانين” الذي كان موجوداً في العبادات القديمة واندثر، بحسب ما يستعرضه الكتاب. كما أن المؤلف يجد أن لذلك صلات بعبادة اله الشمس في القرن الثالث الميلادي والتي كانت تتم في حمص واتسمت بمظاهر مجون وصخب حتى الهذيان، وهو ما حمل كل من يمر بحمص وقتها على الاعتقاد بأن أهلها مصابون بـ “لوثة جنون”.
وفي هذا السياق، يسلط كتاب “النكتة الحمصية” الضوء على روايات شعبية وتاريخية تحكي كيف تفادت حمص غزو تيمورلنك المغولي عبر استقبال أهلها الحافل له، وتظاهرهم بالجنون ليجنبوا المدينة الدمار. وكانت مدن الشام التي دمرها المغول تتندر بهذه الحادثة بالقول “جدبها اهل حمص على تيمورلنك يوم الاربعاء فعفا عنهم”، ليبقى من لك مع مرورالزمن فقط ما يتعلق بربط “الجدبة” بيوم الاربعاء.
أما الباحث التاريخي نهاد سمعان فيقول أن هناك قصة أخرى تقول أن أحد الرهبان ويدعى سمعان أشاع في حمص طريقة جدية للتعبد وهي نكران الذات والتهبل وذلك عام 550 ميلادي، وعرف بالقديس سمعان المتباله، أو الجاهل، أو المجذوب في العامية. هذا القديس كان محبوباً لخفة روحه وقدم الكثير من المساعدات للمحتاجين، ويقال أن الله عرّفه على يوم مماته ولكن سره كمصطنع للبله لم يكن يعرفه أحد إلا شماس كنيسة حمص الذي كان يخدمه سراً، وكان الصبية والشبان يجتمعون حوله يضحكون لضحكه ويصفقون لحركاته ويجارونه ركضاً وعدواً ويحملونه على الرقص فيرقصون معه، وعندما كان يلمح مريضاً أو معتوهاً بينهم كان بين الضحك واللعب يلمسه فيشفيه.
وانتشر مبدأ أو طريقة التهابل أو التباله وكان للحمصيين الفخر أن يكون مؤسس هذه المدرسة قد اختار مدينتهم لتنطلق دعوته منها ولتحتفظ تربتها برفاته (يقول المثل من أحب شيئاً أكثر من ذكره، والعكس صحيح من كثر ذكره أصبح محبوباً). ومن الجدير بالذكر وحسب الباحث التاريخي نهاد سمعان أنه قبل قدوم هذا القديس إلى حمص لم يكن ما يشير إلى اتهام أهل حمص باللوثة في عقولهم أو بالحمق.
ولا يزال أهل حمص حتى اليوم يكنون للدراويش والمبروكين معزة ومحبة مميزة، والكثير من الحماصنة حتى اليوم يعتقدون بالكرامات التي يتمتع بها بعض الدراويش فيظنون أن من يستهزئ بهم أو يتهكم عليهم سيتأذى. والذي يدخل في عالم المتصوفين وأصحاب الطرق كما يسمونهم اليوم، يلمس مباشرة مدى احترام وتقدير هؤلاء لمدينة حمص وأهلها، فهم يعتبرونها مركزاً روحياً لهم، ومدرسة عريقة تخرج فيها الكثير من عظمائهم، وهي منبع دائم لا ينضب لمريدي طرقهم. وما أكثر ذكر الدراويش في القصص والحكايات الحمصية.
ومن الطريف أن الكثير من الحماصنة يلجأون إلى الجدبة وقت الإحراج فيقال عند هروبه من الإحراج: “جَدَبَها”.
Comment