صوت آخر من الجيل الجديد، يخوض مغامرة إعادة تملّك التراث، بحساسية معاصرة وتقنيات موسيقيّة مبتكرة. إنها مغنية سوريّة، من أصل أرمني، وأسطوانتها الثانية صدرت حديثاً في دمشق، بالاشتراك مع باسل رجوب... ماذا تنتظرون لاكتشاف لينا شماميان؟
تندرج تجربة لينا شماميان ضمن «مغامرات» جريئة يخوضها فنانون من الجيل الجديد، في سياق إعادة إحياء الموروث التراثي والشعبي في الأغنية العربية الأصيلة، مثل اللبنانية ريما خشيش، والفلسطينية ريم البنّا، والأردنية مكادي نحاس... وبعد حوالى عام على صدور باكورتها «هالأسمر اللون» (2006)، تواصل المغنّية السورية الشابّة، من أصل أرمني، رحلتها المميّزة، وتصدر عملها الثاني «شامات»، بالتعاون مع الموسيقي السوري الشاب باسل رجوب الذي تولّى ـــ كما في باكورتها ــــ إعادة التوزيع الموسيقي.
«هالأسمر اللون» ضمّ مجموعةً من الموشّحات وأغاني من الفولكلور الشعبي في بلاد الشام، أعاد توزيعها عازف السكسوفون والترومبيت باسل رجوب في قالب جازي كلاسيكي ولاتيني.
وقد أفسح رجوب المجال لبعض الارتجال، مبتكراً الجمل الصارمة المتقابلة والمتوافقة مع اللحن الأساسي، وغير المألوفة في موسيقانا الشرقية... ومحافظاً في الوقت نفسه على روحية الأغنية. وإذا بتلك اللعبة تجعل المستمع الشاب يتآلف مع تراثه المنسي، ولا تقطع حبل السرّة مع المستمع المحافظ. وقد احترم رجوب في عملية التوزيع طبيعة صوت شماميان، وخامته الميّالة إلى الهدوء والصفاء.
في «هالأسمر اللون» تطالعنا آلة الأكورديون منفردةً في جمل من وحي اللحن، على غرار الدور الذي تؤديه في الأغنية الفولكلورية في أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية (أغنية «على موج البحر» في مستهلّ الأسطوانة). وتميّز الموشّح الأندلسي الأشهر في فئته «لما بدا يتثنّى»، بمرافقة موفّقة ولافتة للبيانو وبجمل للنحاسيات في جو لاتيني ــــ موسيقياً وإيقاعياً ــــ استحضره رجوب أيضاً في «ع الروزانة». وكانت لافتة ارتجالات التينور سكسوفون في أغنية «هالأسمر اللون» التي طغت مرافقة البيانو فيها، بينما كان ينبغي أن يكون حضور هذه الآلة أقلّ بروزاً (أقلّه في مستوى الصوت)، ومتوارياً لمصلحة صوت شماميان في أغنية هادئة كهذه.
وتصحّ الملاحظة نفسها في أغنية «بالي معاك».
هذا الحضور الطاغي للبيانو الذي شكّل إحدى نقاط الضعف القليلة في «هالأسمر اللون»، تفاداه رجوب بشكل ملحوظ في توزيع الألبوم الجديد «شامات». من جهة أخرى، اعتمد رجوب في العمل الأول بعض القفلات البديهية، عند فواصل التسليم بين جملة لحنية وأخرى.
هذه ليست نقطة ضعف بالمعنى السيئ، لكنّ شدّة تآلف تلك القفلات مع الأذن تجعلها استفزازيّة، في نظر الذين يتوقعون من موزّع من طراز رجوب تحطيم القيود، أقلّه الكلاسيكية منها. إلا أنّ الملاحظة أيضاً لم تعد تنطبق بالحدّة نفسها على ألبوم «شامات». إذ أثبت رجوب أنّه تولّى تقويم تجربته الأولى بموضوعية جعلته يعي نقاط الضعف فيها، ما مكّنه من تفاديها هذه المرّة، أو في أسوأ الأحوال، من تدوير زواياها.
وتضمّ أسطوانة «شامات» 8 أغنيات ومقطوعةً موسيقيةً، جميعها من توزيع باسل رجوب الذي خاض هذه المرة تجربة التلحين في «شآم» (كتبت كلماتها لينا شماميان) وفي مقطوعة «سِحْر». وإذا ما قارنّا بين «شامات» و«هالأسمر اللون»، ستلفتنا جدية الثنائي شماميان/رجوب في هذا المشروع الموسيقي الذي ارتقى في الخطوة الثانية بشكل واضح نحو مهنية عالية. نتج من ذلك تحسين جميع المكوّنات الجمالية للعمل الفني، بدءاً من أداء لينا وتوزيع باسل واستعمال مدروس للآلات المستعملة سابقاً، ودعوة آلات جديدة تخدم التوزيع المناسب لجو الأغاني وصولاً إلى تفادي نقاط الضعف التي ذكرناها آنفاً.
وكما في مستهلّ «هالأسمر اللون»، يعود الأوكورديون في العمل الجديد (عزف مانفرد لويشتر) من خلال أغنية «يمّا لا لا». وتحضر الكلارينت التركية بقوّة في ترنيمة «دعوني أجود» (لحن ليتورجي خاص بأسبوع الآلام عند المسيحيين، ويصف نصّها معاناة العذراء مريم لفقدان وحيدها) على خلفية وتريات تؤدي دور القاعدة، وتسند هذيان الكلارينت... قبل أن يضبط الإيقاع النوبي تأوّهات شماميان ليكتمل القالب الحزين بين اللحن والتوزيع المكتوب أو المرتجل من جهة، والإيقاع والصوت من جهة ثانية. ويؤدي البيانو في «دعوني أجود» جملاً موقّعة تنذر بانفلات محتمل في ارتجالات أو جمل بعيدة من اللحن الأصلي. لكنّه يتماسك حتى النهاية في حين يتأوه التشلّو في الاتجاه المعاكس لتأوهات الصوت البشري وتحتكر الكلارينت فسحة الارتجال في صوت مخنوق في النوتات المنخفضة، وثاقب في العالية.
في «سِحْر» المقطوعة الموسيقية التي وضعها رجوب، رافقت شماميان جمل الساكسوفون بصوتها، من دون كلام، في استعمال آلي، كأي آلة موسيقية (Scatting)، وهذه موضة منتشرة على ما يبدو في سوريا. إذ استعملتها رشا رزق (فرقة «إطار شمع» ــ راجع مقالة أخرى في الصفحة) في ألبوم «بيتنا» الصادر حديثاً، وسبق أن حضرت بقوة بصوت المغنّية ديما أورشو مع فرقة «حوار» في الألبوم الوحيد للفرقة. والتقنية عينها اعتمدتها مغنّيات كثيرات، وخصوصاً المؤلفة الموسيقية وعازفة البيانو الأذربيجانية عزيزة مصطفى زاده.
ومن المحطّات اللافتة في ألبوم «شامات»، عودة الكلارينت التركيّة في أغنية «يا مسافرة» ومحاولة لينا كتابة نصّ جميل تتغزّل فيه بأرض الوطن (أغنية «شآم»). وفي «حوِّل يا غنّام» الشهيرة، برع رجوب في كتابته الموسيقية للنحاسيّات المعترضة باستغراب وتهذيب، وحضر القانون في تقاسيمه ومرافقته. إلا أنّ البيانو الذي طغى نافراً في هذه الأغنية كان عليه أن ينكفئ لمصلحة القانون والناي الذي أطلَّ فقط في الختام، وتوارى بسرعة مع خفض الصوت (Fade Out)...
فيما يعتبر حضوره في «حوِّل يا غنّام» بالتحديد ضرورياً على رغم بديهيته. وفي أغنية «قبل العشا» أجواء لاتينية إيقاعاً، تدعمها النحاسيات الهجومية المتراشقة.
وتختم شماميان أسطوانتها بأغنية من التراث الأرمني، باللغة الأرمنية، تقدّمها a capella (من دون مرافقة موسيقية)، لتثبت أنّ الآلات الموسيقية الكثيرة (أكثر من عشرين عازفاً شاركوا في «شامات») أتت لدعم الجمل اللحنية وتلوينها عبر التوزيع، لا لتغطية ضعف في صوتها، أو لسدّ ثغرة في طاقته أو أخرى في تَمَكُّنه.
تندرج تجربة لينا شماميان ضمن «مغامرات» جريئة يخوضها فنانون من الجيل الجديد، في سياق إعادة إحياء الموروث التراثي والشعبي في الأغنية العربية الأصيلة، مثل اللبنانية ريما خشيش، والفلسطينية ريم البنّا، والأردنية مكادي نحاس... وبعد حوالى عام على صدور باكورتها «هالأسمر اللون» (2006)، تواصل المغنّية السورية الشابّة، من أصل أرمني، رحلتها المميّزة، وتصدر عملها الثاني «شامات»، بالتعاون مع الموسيقي السوري الشاب باسل رجوب الذي تولّى ـــ كما في باكورتها ــــ إعادة التوزيع الموسيقي.
«هالأسمر اللون» ضمّ مجموعةً من الموشّحات وأغاني من الفولكلور الشعبي في بلاد الشام، أعاد توزيعها عازف السكسوفون والترومبيت باسل رجوب في قالب جازي كلاسيكي ولاتيني.
وقد أفسح رجوب المجال لبعض الارتجال، مبتكراً الجمل الصارمة المتقابلة والمتوافقة مع اللحن الأساسي، وغير المألوفة في موسيقانا الشرقية... ومحافظاً في الوقت نفسه على روحية الأغنية. وإذا بتلك اللعبة تجعل المستمع الشاب يتآلف مع تراثه المنسي، ولا تقطع حبل السرّة مع المستمع المحافظ. وقد احترم رجوب في عملية التوزيع طبيعة صوت شماميان، وخامته الميّالة إلى الهدوء والصفاء.
في «هالأسمر اللون» تطالعنا آلة الأكورديون منفردةً في جمل من وحي اللحن، على غرار الدور الذي تؤديه في الأغنية الفولكلورية في أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية (أغنية «على موج البحر» في مستهلّ الأسطوانة). وتميّز الموشّح الأندلسي الأشهر في فئته «لما بدا يتثنّى»، بمرافقة موفّقة ولافتة للبيانو وبجمل للنحاسيات في جو لاتيني ــــ موسيقياً وإيقاعياً ــــ استحضره رجوب أيضاً في «ع الروزانة». وكانت لافتة ارتجالات التينور سكسوفون في أغنية «هالأسمر اللون» التي طغت مرافقة البيانو فيها، بينما كان ينبغي أن يكون حضور هذه الآلة أقلّ بروزاً (أقلّه في مستوى الصوت)، ومتوارياً لمصلحة صوت شماميان في أغنية هادئة كهذه.
وتصحّ الملاحظة نفسها في أغنية «بالي معاك».
هذا الحضور الطاغي للبيانو الذي شكّل إحدى نقاط الضعف القليلة في «هالأسمر اللون»، تفاداه رجوب بشكل ملحوظ في توزيع الألبوم الجديد «شامات». من جهة أخرى، اعتمد رجوب في العمل الأول بعض القفلات البديهية، عند فواصل التسليم بين جملة لحنية وأخرى.
هذه ليست نقطة ضعف بالمعنى السيئ، لكنّ شدّة تآلف تلك القفلات مع الأذن تجعلها استفزازيّة، في نظر الذين يتوقعون من موزّع من طراز رجوب تحطيم القيود، أقلّه الكلاسيكية منها. إلا أنّ الملاحظة أيضاً لم تعد تنطبق بالحدّة نفسها على ألبوم «شامات». إذ أثبت رجوب أنّه تولّى تقويم تجربته الأولى بموضوعية جعلته يعي نقاط الضعف فيها، ما مكّنه من تفاديها هذه المرّة، أو في أسوأ الأحوال، من تدوير زواياها.
وتضمّ أسطوانة «شامات» 8 أغنيات ومقطوعةً موسيقيةً، جميعها من توزيع باسل رجوب الذي خاض هذه المرة تجربة التلحين في «شآم» (كتبت كلماتها لينا شماميان) وفي مقطوعة «سِحْر». وإذا ما قارنّا بين «شامات» و«هالأسمر اللون»، ستلفتنا جدية الثنائي شماميان/رجوب في هذا المشروع الموسيقي الذي ارتقى في الخطوة الثانية بشكل واضح نحو مهنية عالية. نتج من ذلك تحسين جميع المكوّنات الجمالية للعمل الفني، بدءاً من أداء لينا وتوزيع باسل واستعمال مدروس للآلات المستعملة سابقاً، ودعوة آلات جديدة تخدم التوزيع المناسب لجو الأغاني وصولاً إلى تفادي نقاط الضعف التي ذكرناها آنفاً.
وكما في مستهلّ «هالأسمر اللون»، يعود الأوكورديون في العمل الجديد (عزف مانفرد لويشتر) من خلال أغنية «يمّا لا لا». وتحضر الكلارينت التركية بقوّة في ترنيمة «دعوني أجود» (لحن ليتورجي خاص بأسبوع الآلام عند المسيحيين، ويصف نصّها معاناة العذراء مريم لفقدان وحيدها) على خلفية وتريات تؤدي دور القاعدة، وتسند هذيان الكلارينت... قبل أن يضبط الإيقاع النوبي تأوّهات شماميان ليكتمل القالب الحزين بين اللحن والتوزيع المكتوب أو المرتجل من جهة، والإيقاع والصوت من جهة ثانية. ويؤدي البيانو في «دعوني أجود» جملاً موقّعة تنذر بانفلات محتمل في ارتجالات أو جمل بعيدة من اللحن الأصلي. لكنّه يتماسك حتى النهاية في حين يتأوه التشلّو في الاتجاه المعاكس لتأوهات الصوت البشري وتحتكر الكلارينت فسحة الارتجال في صوت مخنوق في النوتات المنخفضة، وثاقب في العالية.
في «سِحْر» المقطوعة الموسيقية التي وضعها رجوب، رافقت شماميان جمل الساكسوفون بصوتها، من دون كلام، في استعمال آلي، كأي آلة موسيقية (Scatting)، وهذه موضة منتشرة على ما يبدو في سوريا. إذ استعملتها رشا رزق (فرقة «إطار شمع» ــ راجع مقالة أخرى في الصفحة) في ألبوم «بيتنا» الصادر حديثاً، وسبق أن حضرت بقوة بصوت المغنّية ديما أورشو مع فرقة «حوار» في الألبوم الوحيد للفرقة. والتقنية عينها اعتمدتها مغنّيات كثيرات، وخصوصاً المؤلفة الموسيقية وعازفة البيانو الأذربيجانية عزيزة مصطفى زاده.
ومن المحطّات اللافتة في ألبوم «شامات»، عودة الكلارينت التركيّة في أغنية «يا مسافرة» ومحاولة لينا كتابة نصّ جميل تتغزّل فيه بأرض الوطن (أغنية «شآم»). وفي «حوِّل يا غنّام» الشهيرة، برع رجوب في كتابته الموسيقية للنحاسيّات المعترضة باستغراب وتهذيب، وحضر القانون في تقاسيمه ومرافقته. إلا أنّ البيانو الذي طغى نافراً في هذه الأغنية كان عليه أن ينكفئ لمصلحة القانون والناي الذي أطلَّ فقط في الختام، وتوارى بسرعة مع خفض الصوت (Fade Out)...
فيما يعتبر حضوره في «حوِّل يا غنّام» بالتحديد ضرورياً على رغم بديهيته. وفي أغنية «قبل العشا» أجواء لاتينية إيقاعاً، تدعمها النحاسيات الهجومية المتراشقة.
وتختم شماميان أسطوانتها بأغنية من التراث الأرمني، باللغة الأرمنية، تقدّمها a capella (من دون مرافقة موسيقية)، لتثبت أنّ الآلات الموسيقية الكثيرة (أكثر من عشرين عازفاً شاركوا في «شامات») أتت لدعم الجمل اللحنية وتلوينها عبر التوزيع، لا لتغطية ضعف في صوتها، أو لسدّ ثغرة في طاقته أو أخرى في تَمَكُّنه.
بشير صفير
الأخبار
الأخبار
Comment