جان ماري رياشي: الموسيقى الإلكترونية هبوط
جان ماري رياشي اسم متألق مرتين: مرة لأنه بين اكثر الملحنين والموزعين شهرة ونجاحا، ومرة لأنه حقق حلمه الشخصي بتوقيع "سي.دي" يحمل اسمه استحق لقب الاسطوانة البلاتينية، رغم ان عمره لا يتجاوز السنة. حول نجاح اسطوانته ونجاحاته الاخرى وتطلعاته المستقبلية هذا الحوار.
■ هل يفرحك نجاح «سي.دي» «بالعكس» ونيله جائزة الأسطوانة الذهبية في المرتبة نفسها لنجاح اغنية «اعتزلت الغرام» او «يسمحولي الكل»؟
ـ سميت ثلاثة اعمال تم تقديمها للجمهور عبر آلات موسيقية حية. عندما قدمنا «اعتزلت الغرام» كانت الموسيقى الموجودة في السوق تعتمد «البروغرامنغ، البلاستك والإلكترونيك». حتى الموسيقى الشرقية لم تكن تُعزف عبر آلات حية. وكي يوفر الفنانون المال، هم يستعينون بشخص واحد يركب الموسيقى جميعها. «إعتزلت الغرام» و»يسمحولي الكل» تمّ تسجيلهما مع فرقة موسيقية كبيرة، وكذلك «سي.دي» «بالعكس» الذي اعتمد الموسيقى الحية، ولهذا سميت ثلاثة اعمال جامعها المشترك الموسيقى الحية. فالناي في هذا الـ»سي.دي» عزفه علي مدبوح، والكمان جهاد عقل، وسجلت البيانو في باريس. وكذلك الساكسوفون والدرامز كانت حية. السؤال في مكانه، ويؤكد اهمية احترام اذن المتلقي بتقديم عمل متقن، ومن المؤكد انه يحمل في داخله شروط النجاح. «بالعكس» كان بالنسبة إلي فكرة جديدة تجمع بين العربي والغربي والموسيقى. كنت في تحدٍ ذاتي معه. لكن تبين ان الجمهور احبه وأقبل عليه. وهذا بالطبع مصدر فرح لي رغم عدم وجود شركة انتاج.
■ هذا يعني ان المتلقي العادي قادر على التمييز بين موسيقى «البلاستيك» والموسيقى الحية؟
ـ طبعاً. المتلقي يشعر بالفرق حتى من دون أن يدرك السبب. عندما نكون مع عشرين موسيقياً فهذا يعني اضافة عشرين احساساً على احساس الموزع. يستحيل ان نكون مع صوت قانون حقيقي في قانون مصنوع على الكمبيوتر. عندما نسمع اغنيات فيروز القديمة وكذلك اغنيات عبد الحليم حافظ نتساءل عن سر هذا الدفء في الصوت. فما هو السر؟ السر ان عصرنا هو عصر استديوات وتقنيات متطورة، لكن نوعية الموسيقى تقهقرت لأنها مبرمجة.
■ اعتماد الكمبيوتر دافعه توفير المال؟
ـ توفير المال والوقت، وهذا أمر يعود الى الفنانين. على سبيل المثال ماجدة الرومي تقول لي بعدم التراجع عن اي اضافة تجميلية على اغنيتها حتى وان كنا سنأتي بها من الصين، بينما غيرها لا يسأل عن هذه التفاصيل الأساسية.
■ هل وزعت اغنية ماجدة الرومي الجديدة «تغيرت الدقايق»؟
ـ نعم. الأغنية من الحان الموسيقار ملحم بركات وكلمات نزار فرنسيس. هي اغنية جميلة وأجدها مسؤولية كبيرة على عاتقي بعد نجاح اغنية «إعتزلت الغرام». ما يمكنني قوله هو ان «سي.دي» السيدة ماجدة الرومي الجديد على مستوى عالٍ جداً.
■ هل ننتظر لك نجاحاً مدوياً مع ماجدة الرومي؟
ـ الصعوبة التي اواجهها هي في الحفاظ على النجاح، وأن تقولي لي «نجاحاً مدوياً» فهذا يمنع عني النوم.
■ هل يمنحك لحن ملحم بركات في حد ذاته راحة في التوزيع؟
ـ احب توزيع الحان وضعها اخرون غيري. وعندما اوزع اقوم بالمهمة وفي بالي من سيغني وليس من لحّن. ولو اراد «ابو مجد» غناء «تغيرت الدقايق» لوزعتها بشكل مختلف. وفي كل جلسة مع «ابو مجد» اتعلم جديداً. فهو يمتلك تقنية في الموسيقى قطفها من خلال خبرته عبر السنين، وهو يتمتع بروح جميلة تسلب العقل.
■ بعد حوالى عشر سنين في التلحين والتوزيع لماذا خطر في بالك التعبير الفني من خلال «سي.دي» «بالعكس»؟
ـ منذ زمن يجذبني هذا النوع من الموسيقى. وقد اسمعت بعض المقطوعات في الـ»سي.دي» الى اشخاص لا يحصون ومنها اغنية «شفتو من بعيد» ولم يتطوع احد لغنائها سوى يارا. الجميع كان يطالب بإيقاعات وموسيقى الكترونية. هذه الأغنية موجودة في «سي.دي» «بالعكس». قدمت «بالعكس» لأنني احمل افكاراً فنية اعرضها على فنانين ولا يجرؤون على غنائها. وعندما قررت تقديم «سي.دي» يحمل اسمي، فهذا يعني انني مسؤول عنه، رغم انني استضفت لغنائه فنانين من اصدقائي.
■ من هم ضيوف الـ»سي.دي»؟
ـ رامي عياش وعبير نعمة ويارا وألين لحود وسيمون عبيد ولورا لبُّس وسيفين وكاتيا فرنيك، يتمتعون بالصوت الجميل... قدمنا «سي.دي» جميلاً جداً خافت منه شركات الإنتاج عندما عرضناه عليها. كذلك الفنانين يطلبون اغنية مثل «مدري مين». وهكذا جاء الـ»سي.دي» كما الاختبار لعدم صحة النظريات الفنية، فهو، بعد سنة على صدوره يسجل اعلى مبيعات.
■ هل كان في داخلك ما يدفعك ويضغط عليك للتعبير عن ذاتك تلحيناً وتوزيعاً بعيداً عن قناعات الفنانين؟
ـ اقول بصراحة ومن دون خجل، اننا نعيش من الفن ومن خلال تشغيل الإستديو، لكن في كثير من الأحيان تكون عندي افكاري الفنية التي لا يجرؤ احد على تنفيذها. خلال عدوان تموز تراجع العمل وإقتصر على الأغنيات الوطنية، تفرغت لنفسي عندما سافرت الى باريس وأنجزت الـ»سي.دي» هناك.
■ هل تجاوب الفنانون بسهولة للمشاركة في الـ»سي.دي»؟
ـ حسب. رامي عياش احتاج الى ثلاث دقائق حتى قال نعم، ولم اطلب من احد المشاركة ورفضها بصورة مطلقة.
■ ما هو الخاص الذي ستقدمه بعد «بالعكس»؟
ـ أكيد سأكون مع عمل جديد، وقد بدأت تحضيره، وهذه المرة سيكون العمل في الاتجاه الصحيح وليس بالعكس.
■ هل تتعذب مع الفنانين الذين يطلبون على الدوام اغنية كما فلان او فلانة؟
ـ اكثر من يزورونني يطلبون اغنية قدمت مثلها لفنان آخر. يقولون احببنا الإيقاع هنا، و»الدانس» هناك، والكمنجات في تلك الأغنية. ما من احد يطلب اغنية كالتي قدمها على سبيل المثال طارق مدكور او هادي شرارة. فهم يأتون اليّ طالبين شيئاً شبيهاً بما نفذته وهنا اشعر بالتعب، وردي لهم دائماً ان التكرار تقليد وليس خدمة.
■ التوزيع والتلحين احساس وليس عملاً مقابله اجر فقط. هل من فنان يدفعك للتعامل معه في حدود البزنيس فقط؟
ـ لم اقدم مرة اغنية يحكمني فيها «البزنيس». دائماً اقدم الأغنية من «نص قلبي». في أحيان قدمت اغنيات تحت ضغط الوقت وندمت عليها، ولن اقولها لك رغم النجاح الذي تحقق لها. الإبداع والخلق لا يمكن ربطه بالزمن. الفنانون كما الدجاج، يريدون الـ»سي.دي» كما تفقيس البيض. ليس مقبولاً ان يكون للفنان «سي.دي» كل عام. يزعجني ان يقال «جديد الفنان اكس»، في حين ان البحث في هذا الـ»سي.دي» يتبين انه من موضة اربع سنوات مرت. من لا يصل الى جديد عليه التركيز على اغنياته القديمة كي يصل الى جديد جيد.
■ هل تتمكن من تقديم لحن او توزيع لفنان لا يجمعك به تفاعل كيميائي؟
ـ حصل ذلك وكانت الأعمال غير جميلة. ولهذا قررت التعامل فقط مع من تجمعني بهم كيمياء بهدف تقديم ما يرضيني وما يحبه الناس.
■ «انا» الفنانين تتضخم، فكيف تنتظم العلاقة بين الفنان والملحن؟
ـ تنهد جان ماري بعمق وقال: حلو السؤال. ثمة فنانون يبدعون ألحاناً كما عاصي الحلاني وراغب علامة ورامي عياش. هؤلاء يدركون معنى أن يكون الفنان مبدعاً. اما المؤدون الباحثون دوماً عن جديد، فيجب ان يفهموا ان استمراريتهم ليست في توقيع اعلان او في ادارة جيدة، بل ان استمراريتهم في أن يحيطوا انفسهم بمبدعين يقدمون لهم افكاراً جديدة. هناك فرق بين مغن مؤد، أداؤه جيد على المسرح او شكله جميل وليس لديه ابداع، وبين آخر مبدع يعرف قيمة الجملة الموسيقية، وقادر على تحليل ما يقدمه الملحن بأحترام واحتراف. هناك مغنون يقولون للملحن «أيمتى بتجي بتسمعني»؟ اللحن يلزمه استديو كي يُسمع جيداً وفي هذا الاستديو، حيث ولد اللحن، على أن يأتي المطرب ليسمعه.
■ ما الذي يحكم علاقتك بالفنانين؟
ـ ليس لدي الحان جاهزة. من يطلب مني لحناً اقدمه له مسكوباً على قياس صوته. لست مُكثراً في الألحان لأنها تحتاج الى وقت.
■ مع من العلاقة مريحة أكثر، مع المطرب الذي درس الموسيقى او مع من يعرفها بناء على الإحساس، وذلك طبعاً خلال التسجيل؟
ـ من درس الموسيقى العمل معه اسهل بكثير. عندما نعطيه «النوتة» نتمكن من الحوار معه بلغة الموسيقى ومن يعرف الموسيقى بالفطرة نغني له اللحن كي يلتقطه.
■ هل من مطربين يجهلون الموسيقى؟
ـ بقدر ما تطلبين. هم جهلة في الموسيقى وفي سواها. ثمة فنانون يعانون نقصاً محبطاً على صعيد الثقافة. هم لا يعرفون جهلهم لأنهم محاطون بمجموعة بشر لا تشعرهم بجهلهم، بل تباركه على اساس انه معرفة. النجاح يصيب بعضهم بالمصادفة، لكن تبقى المشكلة في الحفاظ عليه. كثيرون نشاهدهم في حوارات جلها جهل في الموسيقى وأدب المجتمع. بعضهم يضع نفسه في حوارات عن آلات موسيقية لا يدرك كنهها، او غير ذلك من امور فاضحة. من ينجح يلزمه تطوير ذاته ثقافياً وموسيقياً.
■ ما هي الآلة الأثيرة الى قلبك؟
ـ احب بقوة البيانو والغيتار.
■ لكنك تعطي الحاناً وأنغاماً شرقية جميلة؟
ـ اعشق الأنغام الشرقية وأنفذها مع موسيقيين وعبر آلة القانون، لأنني لا اعزف على العود. احس بالحاجة الى اتقان العزف على القانون لكن الوقت يلعب ضدي.
■ عندما تسمع اغنية «بدي دوب» ماذا تتذكر؟
ـ اتذكر غرفة نومي التي كانت شبه استديو. كنت احمل اغراضي الى الاستديو للتسجيل. كانت بداية جميلة جداً، ومن يريد الوصول عليه بالعمل. ومن لديه القناعة بالنجاح عليه المثابرة كي يصل.
■ ما هو تعليقك على اغنية «عابالي حبيبي» وهي تصدح من شبابيك السيارات؟
ـ اغنية جميلة. اهتم جداً بكلام الأغنية. «عابالي حبيبي» اغنية تحمل موضوعاً فرحاً وتمّ توزيعها بهذا اللون التعس الذي يميل الى الندب.
■ هل تقاطع العمل مع اليسا؟
ـ منذ زمن بعيد لم نتعاون وكما قلتِ في سؤال سابق لم يعد بيننا كيمياء.
■ هل ان السبب جنون العظمة؟
ـ لست ادري، وفقها الله. المهم ان تعرف هي اين لمعتها لتحافظ عليها. أنا فقط أعطي رأيي الموسيقي، فعندما تكون اغنية بهذا القدر من الفرح وفيها ارتداء للأبيض، لا يجوز ان نسمعها ونشعر معها بوجود عزاء.
■ عدت الى بيتك «استديو الفن» وثمة من يقول انه برنامج تمّ انتزاعه من قالبه القديم ولم يتمكن من الاقتراب من البرامج المعاصرة ففشل في التقليع، فما رأيك؟
ـ لندع البرنامج يصل الى نهاياته ونرى من سيخرِّج؟ ليس الآن وقت الحكم على «استديو الفن» كونه لم ينته بعد. هدف البرنامج ان يُخرِّج فنانين مميزين، وعلينا ان ننتظر لنرى اذا كان الخريجون سيثبتون ذاتهم في الفن ام لا؟
■ هل من تحدٍ ما؟
ـ لا تحد لأحد. ردي هو على النقاد الذين وجهوا النقد للبرنامج. نحن في مرحلة المباريات، منهم من يتأهل ومنهم من يعود الى منزله. اعتاد الناس على برامج الرقص والاستعراض والهيصة، بينما البرنامج يقدم من يغنون بفئات متعددة. علينا النظر الى الأهداف البعيدة للبرنامج. لقد تخرجت من «استديو الفن» وأعرف اهمية هذا البرنامج، كما وأعرف قيمة من تخرجوا منه ويحملون تصنيف فئة A. هؤلاء لم يصلوا الى هذه المرتبة في لحظة: إما فشل وإما نجاح.
■ ماذا تعد للمتلقين هذا الصيف؟
ـ وزعت اكثر اغنيات «سي.دي» رامي عياش ولي فيه لحن. كذلك «سي.دي» ماجدة الرومي ولي فيه ثلاثة الحان اضافة الى التوزيع، ونعد لـ»سي.دي» يارا، و»سي.دي» بريجيت ياغي ولي فيه لحن واحد مع كامل التوزيع.
■ وماذا بعد؟
ـ اسست منذ سنتين شركة انتاج تحمل اسم «أوليول» متخصصة في تقديم الأعمال الموسيقية فقط، وهذه الشركة اصدرت ثلاثة ألبومات حتى الآن، الأول هو Grenadine والثاني «سي.دي» جهاد عقل: شيراز، والثالث «بالعكس». هذه الأعمال كافة حققت نجاحات مهمة. الصحافة تتناسى هذه الانجازات ولا تأتي على سيرتي سوى مع فضيحة. حالياً، نعد لتقديم «سي.دي» لعازف عود من الأردن اسمه علاء شاهين، وقد اكتشفت وجود طلب على الموسيقى رغم كونها ليست موضة.
Comment