تربّص الإعلام منذ الحلقات الأولى لتخت شرقي للجرأة الكبيرة في المواضيع والحوارات التي طرحها العمل، وتوقّع البعض اندلاع تفجيرات نقدية في عناوين الصحف والمجلات بُعيد عرض المشهد الذي ظهر فيه مكسيم خليل "أو طارق" شبه عارٍ في الفراش مع "غريتا" التي جسدت شخصيتها الفنانة سلافة معمار، ولعل قنابل النقد الموقوتة أجّلت انفجارها حتى انتهاء العمل، لتسير وفقاً لمستوى النجاح أو الفشل الذي سيحققه المسلسل.
موقع بوسطة فضّل هذه المرة أن يتقصى آراء الوسط الفني، سواء الذين اشتركوا في تخت شرقي أو الذين شاهدوه من الخارج قبل نهاية عرضه، عسى أن تحمل تلك الآراء بعضاً من الموضوعية البعيدة عن التقييم الفني للمسلسل.
"الجمهور رويداً رويداً سيتعود على الجرأة"
هكذا رد المناصرون على الجرأة التي طرحها تخت شرقي، فالممثلة يارا صبري (إحدى الشخصيات الرئيسية في المسلسل) والتي توقّعت، في حديث خاص مع بوسطة، ردود فعل أعنف على العمل، اعتبرت أن اختيار اسم (تخت شرقي) هو نوع من الاحتيال المبرر الذي يعكس ذكاء المخرجة رشا شربتجي.
ورأت يارا أن العمل سلّط الضوء على مشاكل مجتمعنا، فلا يجب علينا أن ندفن رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة متجاهلين تلك المشاكل، ولكن، وبحسب رأي يارا ، ما أثار الجدل هو طرح تلك المشاكل بشكل مفاجئ ومكشوف وبأسلوب لم يعتده الجمهور.
الفنانة مها المصري التي تجسّد في "تخت شرقي" ولأول مرة هذا النوع من الشخصيات، اتفقت مع يارا، واعتبرت، في تصريحها لبوسطة، بأن المشكلة في عدم تعوّد الجمهور، مؤكدة أن العمل عكَسَ ما في الواقع والمجتمع، داعيةً للتحرر والكف عن التستر والتعتيم عن بعض القضايا الاجتماعية التي نعانيها.
بدوره الفنان مأمون الفرخ اعتبر أن جرأة "تخت شرقي" مرتبطة بتقديم الحلول المنطقية والصحيحة وعدم الاكتفاء بإظهار مشاكل المجتمع فقط، فهو مع هذه الجرأة التي سيتعودها الجمهور رغم معرفته بأن الطرح القاسي قد يُبعد المشاهد، وأي جديد في الدراما سيخلق التساؤلات ولكن في النهاية هذه المشاكل التي تطرق لها العمل ستكون عادية بالنسبة للجمهور.
أما الفنان عبد الهادي صبّاغ فقد وجّه الاتهام للواقع، مصرّحاً لبوسطة أن صانعي "تخت شرقي" لا ذنب لهم إذا كان الواقع مؤذياً، فهو مع أن يصدّق المُشاهد الحكاية التي يتابعها على الشاشة، وهذا يتطلب بالمقابل تقديم الشرط الحقيقي الموجود بالواقع.
المشكلة ليست في المواضيع وإنما بلقطات ومفردات حوارية
الكاتبة يم مشهدي كشفت لموقع بوسطة بأنه تم حذف بعض المشاهد من "تخت شرقي"، بينما اعتبرت الفنانة يارا صبري أن الاعتراض الأساسي من البعض كان على بعض المشاهد التي رأى المُشاهدون أنه كان من الممكن الإيحاء إليها دون عرضها بشكل مباشر، بالإضافة لطرح مفردات جديدة على مستوى الحوار.
الفنان سليم صبري، الذي عبّر لرشا شربتجي عن اعتراضه على بعض اللقطات، وضّح أنه من الممكن الإضاءة على المفاهيم الخاطئة في المجتمع دون التعرض للقطات العري، فهو يعترض على أي مشاهد من هذا النوع في أي عمل درامي، وبرأيه أن التلفزيون هو وسيلة تعليم غير مباشرة وهذا ما يعطي صُنّاع الدراما مسؤولية مضاعفة في الدقة أثناء الطرح.
وسليم صبري، حسب تصريحاته لبوسطة، فوجئ بهذا المستوى من الجرأة في المسلسل، واعتبره محاولة لجذب المشاهدين بشكل غير سليم، مشيراً أنه يمكن إيصال الفكرة دون عرضها بشكل جنسي خاطئ، وهذا ما يتطلب رقابة إيجابية من صانعي العمل نفسه وليست من المحطات الفضائية.
الجرأة أحد الحلول الدرامية
بعض العاملين في الوسط الدرامي، والذين راقبوا "تخت شرقي" من الخارج، شجعوا قضية الجرأة المطروحة في العمل، فالمخرج سيف الدين السبيعي وقف إلى جانب هذه الجرأة إذا كانت إحدى الحلول الدرامية، واعتبر أن الجرأة أمر ضروري لتجنب الاجترار في الأعمال التلفزيونية، مجدداً التأكيد على أن الجمهور مع التكرار في جرأة الأعمال القادمة سيتعوّد.
ودعا سيف سبيعي مجتمعنا ليُعري نفسه متقبلاً هذا النوع من الجرأة الذي قبلناه في الأعمال التركية المدبلجة ورفضناه في أعمالنا المحلية، معتبراً أنه لم يلحظ جرأة غير مألوفة في "تخت شرقي".
مسؤولية تتحملها المحطات العارضة
تفاوتت المحطات في هوامشها الرقابية في مسلسل تخت شرقي، فبعد أن قامت محطة المشرق بعرض حلقات العمل كاملةً، قام تلفزيون أبو ظبي والتلفزيون السوري بحذف بعض المشاهد (وهي في بعض الأحيان لقطات لا تتجاوز ثوانٍ معدودة من العمل).
سيف الدين سبيعي حمّل المسؤولية للمحطات التلفزيونية التي من الواجب عليها أن تحدد الفئة العمرية القادرة على متابعة العمل، ورفض المخرج فراس دهني عرض بعض المشاهد المثيرة للغرائز قبل تحديد الجمهور الذي توجّه إليه المسلسل، معتبراً عرض العمل خارج أوقات مدروسة جريمةً اجتماعية، ورأى فراس أنه من (المُضحك المُبكي) أن تعرض محطة المشرق الفضائية ما حذفه التلفزيون السوري، مشيراً أنه مع المشاهد الجريئة إذا كانت في خدمة النص والنسيج الدرامي.
غياب السينما جعل التلفزيون منفذنا الوحيد
الفنانة ديمة الجندي حسبت نقطة إيجابية لـ "تخت شرقي" الذي تجرأ في طرح مواضيع لم يعتدها الجمهور، خصوصاً وأن هذه المواضيع تعالج مشاكل نعيشها في مجتمعنا، مشترطة على أي عمل يتطرق لهذه المواضيع ألا يتجاوز الأخلاق العامة.
وبرأي ديمة فإن ظهور هذه الجرأة في الدراما التلفزيونية مبرر في ظل غياب صناعة سينمائية جعلت من التفزيون منفذنا الوحيد، لكن الجندي أضافت «يجب مراعاة الشريحة الكبيرة من المراهقين واليافعين التي تتابع المسلسل، خصوصاً وأن مجتمعنا ليس لديه حتى الآن ثقافة منع الأطفال من مشاهدة كل ما يعرضه التلفزيون».
الفنان يزن السيد كان مع عرض المشاهد الجريئة إن كانت بهدف توعية الجمهور والإشارة إلى الخطأ الحاصل في المجتمع بغية إيجاد الحلول، أما حازم اليوسف المدير التنفيذي لإحدى شركات الإنتاج الدرامي فقد صرّح لبوسطة أن الدراما إن لم تتحدث بجرأة فلن تتقدم، ولم يعتبر جرأة "تخت شرقي" خدشاً للحياء العام، فبرأيه «الحياء العام أصبح اليوم مخدوشاً في الشارع وفي كل مكان».
يم مشهدي تدافع عن جرأتها
ورداً على كل الآراء التي انتقدت العمل، استهجنت الكاتبة يم مشهدي في تصريح خاص لبوسطة تقبّل الجمهور لمشاهد جنسية كاملة في الدراما الأجنبية، وعدم تقبّل بعض الإيحاءات التي وُضعت في العمل لضرورة درامية دون إقحام مفتعل، فمشهدي لم تتوقع سابقاً أن تثير هذه المشاهد لغطاً لدى الجمهور.
أما عن مستوى الحوار فاعتبرت الكاتبة حوارات "تخت شرقي" استمراراً لنجاح الحوارات في "يوم ممطر آخر"، معتبرة وجود مخرجة منفتحة وممثلين منفتحين عاملاً مُساعداً على دفع الحوار الذي تجاوز الأعمال التقليدية المسطحة، والذي يُعد ضرورياً في عمل يروي حياة الناس اليومية ببساطتها وأدق تفاصيلها، مكررة الإشارة إلى أن الرقابة حذفت بعض المشاهد من المسلسل.
الجمهور لم يتفق على الجرأة
آراء الجمهور جاءت متفاوتة حول بعض المشاهد الجريئة في المسلسل، فوسيم (32سنة) وجد أنه من غير الضروري عرض هذه المشاهد ضمن العمل، فالجرأة والذكاء تكمن بإيحاء النص بتلك الوقائع دون عرضها على الشاشة، وتابع وسيم أنه «رغم وجود تلك المشاكل فعلاً في مجتمعاً إلا أن ذلك لا يعني عرضها على الشاشات التلفزيونية أمام الجميع».
رأي آخر كان لعدي (25سنة) الذي أيّد هذه الجرأة التي أصبحت مشروعة في العصر الذي نعيشه، وأصبح المُشاهد بحاجة لمشاهدة كل شيء على درامانا المحلية دون أن يضطر لمتابعة الأعمال الأجنبية للتعرف على الواقع الاجتماعي، أما محمد (38 سنة) فقد اعتبر أن تقييم الجرأة في "تخت شرقي" يعتمد على البيئة التي نعيش فيها، وأوضح محمد «كوننا نعيش في بيئة شرقية والعمل يُعرض في أوقات الصيام، فهذا يعني أن ظهور بعض لقطات المسلسل كان غريباً عن نسيج الأعمال التلفزيونية المخصصة للموسم (الرمضاني)».
من جانبها بشرى (34 سنة) لم ترَ ضيراً في عرض بعض القضايا الهامة عن التلفزيون، خاصةً وأن مجتمعنا يحمل الكثير من المشاكل التي تجاهلتها الدراما التلفزيونية، وهذا ما اتفقت معه دارين (29 سنة) التي طالبت الدراما بتقديم الجريء، فبرأيها الدراما الخجولة لا يمكنها أن تقدم شيئاً، فما نفع الأعمال الدرامية إن لم تناقش مشاكل مجتمعاتنا، معتبرةً أننا لا يمكننا أن نلقي اللوم على الدراما في إيجاد الحلول لأن أهم وظيفة للدراما هي إظهار المشكلات وكشفها.