الكوميديا السورية تنعي إليكم عصرها الذهبي
في رمضان الحالي، تبدو الدراما السورية على وشك مغادرة زمنها الجميل. صحيح أنّ صنّاعها برعوا في الأعمال التاريخية والاجتماعية، لكن تألّقهم الأساسي كان في مجال الكوميديا. هذا العام، يبدو الوضع مختلفاً. نظرة سريعة إلى الأعمال الكوميدية تؤكّد أنّ كل المسلسلات مجرّد أجزاء جديدة لأعمال سابقة: «ضيعة ضايعة 2»، و«صبايا 2»، و«بقعة ضوء 7»، و«أبو جانتي ملك التاكسي» المقتبس عن لوحة من «بقعة ضوء».
ويعاني أغلب الكتّاب الكوميديين المشكلة نفسها، وهي محاولة الإفادة من نجاح أي عمل عبر تقديم أجزاء جديدة. النجاح الجماهيري والمردود المادي يدفعان الكاتب إلى تكرار التجربة، وإن كان مستوى الجزء الجديد أقلّ من الأجزاء السابقة.
طبعاً هناك استثناءات. مثلاً، تمكّن الجزء الثاني من «ضيعة ضايعة» من تحقيق نجاح كبير. ويعود ذلك إلى عوامل عدة، من النص الذي يسهّل عمل المخرج الليث حجو، وصولاً إلى التتر الذي يغنّيه علي الديك. ويبدو هذا الأخير أكثر الفنانين تعبيراً عن البيئة الساحلية التي تدور فيها أحداث القصص الطريفة. إلى جانب صوت المذيع التلفزيوني محمد السعيد الذي يشرح عن الضيعة النائية (أم الطنافس الفوقا). ويبقى العامل الأبرز في نجاح العمل هو الأداء التمثيلي الممتاز لكل من باسم ياخور ونضال سيجري ومعهما هذه المرة محمد حداقي. فيما نجحت كاميرا الليث حجو في تصوير مشاهد جميلة ومحترفة، وخصوصاً في الحلقة التي قرّر فيها أهل الضيعة الخروج بتظاهرة صغيرة للتنديد بالفقر والجوع، فتواجههم جحافل من قوات الأمن لتقمع تظاهرتهم على بساطتها.
لكن ما حصل مع «ضيعة ضايعة 2» لا ينطبق على الجزء السابع من «بقعة ضوء». ما إن بدأ عرض المسلسل هذا العام حتى اكتشف المشاهد أنّه مجرد استنساخ باهت للأجزاء السابقة، مع اعتماده على الأساليب ذاتها في تقليد اللهجات البدوية والمصرية من دون التركيز على مضمون معيّن. كما يتناول بطريقة سطحية بعض الظواهر في المجتمع السوري. مثلاً تصوِّر إحدى اللوحات لقاءً تلفزيونياً بين المذيعة التي تلعب دورها نبال الجزائري، ومجموعة من الضيوف يجسّدهم محمد حداقي، وجيني إسبر، ومحمد الأحمد، وأدهم مرشد. ويبذل هؤلاء قصارى جهدهم لتقديم أي مادة تغري المشاهد بلا جدوى. أما الجزائري فتحاول تقليد مذيعات التلفزيون السوري بتواضع. هكذا يتّضح أن الهدف من كل هذه اللوحة هو السخرية من أخطاء التلفزيون الرسمي وبدائية عمله...
أما مسلسل «صبايا» في جزئه الثاني فيبدو أن عناصره تسير على مستوى واحد. هكذا التقت سطحية النص الذي كتبه مازن طه وزوجته نور الشيشكلي، مع وجهة نظر المخرج فراس دهني وموهبته في اختيار البيوت الفخمة، والشوارع النظيفة للتصوير. وما زاد الطين بلة أداء الممثلات اللواتي لم يفوِّتن فرصة لترسيخ لقب «فاتنات الدراما السورية» الذي أطلقته عليهن محطة «روتانا خليجية» المنتجة للعمل. وفي زحمة عرض الأزياء والجمال، يغيب عن بطلات العمل التركيز على طريقة الكلام ومخارج الحروف التي جاءت خاطئة عند بعضهن مثل كندة حنا وجيني إسبر.
رغم كل ما سبق، يبقى الانحدار بمستوى «بقعة ضوء»، و«صبايا» أفضل بألف مرة من الصورة النهائية التي خرج بها «أبو جانتي ملك التاكسي» مع سامر المصري. بذل هذا الأخير كل جهوده لتفصيل الدور على قياس مواهبه المتعددة. وسبقت العمل موجة ترويجية تمثّلت في بث أغنية الشارة التي يؤديها المصري نفسه على عشرات الإذاعات العربية. هكذا، توقع المشاهد أن يكون على موعد مع فتح جديد في الكوميديا السورية.
وبالفعل، قدّم العمل في حلقاته الأولى وجبة مسلية ومضحكة إلى حد ما، ليحصل على نسب مشاهدة عالية. لكن سرعان ما اكتشف المشاهد بعد حلقات عدة أن النجم السوري لم يمارس حقه المشروع بتفصيل العمل على مقاسه وغناء الشارة والتفرد ببطولة عمله، بل سيزيد على ذلك حقوقاً لا ندري إن كانت من وظائف الدراما أصلاً. إذ حاول المصري تلميع صورة المسؤولين. ويظهر في إحدى الحلقات وهو يصطدم بسيارة أحد المسؤولين، فينزل من سيارته وينهال على مرافقي المسؤول بالشتائم من دون أن يتفوّه هؤلاء بكلمة، بل يُعجب المسؤول بالسائق ويصبح صديقه. الصورة سريالية طبعاً. إذ غالباً ما تحصل في الشارع السوري حوادث مشابهة لكن نتائجها تكون مختلفة كلياً. ولن يكتفي المصري بهذا الحد، بل سيستغل الفرصة لتوطيد علاقته بالمحطة السعودية المنتجة «روتانا خليجية»، عندما يلمّع صورة أحد الشيوخ الخليجيين أثناء زيارته دمشق حيث يوزّع كرمه على الجميع. حتى الساعة، يبدو غير مفهوم لماذا تحاول الدراما السورية تجاهل ظواهر عدّة في المجتمع يمكن أن تمثّل مادة دسمة ومضحكة للمشاهد.
تجريب وتطويل
لا يكفّ مخرج مسلسل «أبو جانتي ملك التاكسي» محمد زهير قنوع عن التجريب في طريقة تعاطيه مع المشاهد. حتى لو كان تجريباً كيفيّاً. وفي مسلسله الجديد، يعتمد أسلوب مونتاج جديد يقلّل من انسجام المشاهد مع العمل (إن حصل هذا الانسجام). من جانب آخر، يفترض سامر المصري أن مُشاهده قادم من مجاهل قارة نائية لم تكتشف العالم بعد، فيصادق تارة أحد اللصوص الذي حاول سرقة منزله، ويوزّع طوراً أموله وممتلكاته على الفقراء، متبرّعاً بحلّ مشاكل ركابه الاجتماعية والمادية. ولا يجد النجم السوري مشكلة في التطويل الذي يغرق فيه العمل، فيقضي أيامه بالغناء دامجاً اللغتَين العربية والإنكليزية.
في رمضان الحالي، تبدو الدراما السورية على وشك مغادرة زمنها الجميل. صحيح أنّ صنّاعها برعوا في الأعمال التاريخية والاجتماعية، لكن تألّقهم الأساسي كان في مجال الكوميديا. هذا العام، يبدو الوضع مختلفاً. نظرة سريعة إلى الأعمال الكوميدية تؤكّد أنّ كل المسلسلات مجرّد أجزاء جديدة لأعمال سابقة: «ضيعة ضايعة 2»، و«صبايا 2»، و«بقعة ضوء 7»، و«أبو جانتي ملك التاكسي» المقتبس عن لوحة من «بقعة ضوء».
ويعاني أغلب الكتّاب الكوميديين المشكلة نفسها، وهي محاولة الإفادة من نجاح أي عمل عبر تقديم أجزاء جديدة. النجاح الجماهيري والمردود المادي يدفعان الكاتب إلى تكرار التجربة، وإن كان مستوى الجزء الجديد أقلّ من الأجزاء السابقة.
طبعاً هناك استثناءات. مثلاً، تمكّن الجزء الثاني من «ضيعة ضايعة» من تحقيق نجاح كبير. ويعود ذلك إلى عوامل عدة، من النص الذي يسهّل عمل المخرج الليث حجو، وصولاً إلى التتر الذي يغنّيه علي الديك. ويبدو هذا الأخير أكثر الفنانين تعبيراً عن البيئة الساحلية التي تدور فيها أحداث القصص الطريفة. إلى جانب صوت المذيع التلفزيوني محمد السعيد الذي يشرح عن الضيعة النائية (أم الطنافس الفوقا). ويبقى العامل الأبرز في نجاح العمل هو الأداء التمثيلي الممتاز لكل من باسم ياخور ونضال سيجري ومعهما هذه المرة محمد حداقي. فيما نجحت كاميرا الليث حجو في تصوير مشاهد جميلة ومحترفة، وخصوصاً في الحلقة التي قرّر فيها أهل الضيعة الخروج بتظاهرة صغيرة للتنديد بالفقر والجوع، فتواجههم جحافل من قوات الأمن لتقمع تظاهرتهم على بساطتها.
لكن ما حصل مع «ضيعة ضايعة 2» لا ينطبق على الجزء السابع من «بقعة ضوء». ما إن بدأ عرض المسلسل هذا العام حتى اكتشف المشاهد أنّه مجرد استنساخ باهت للأجزاء السابقة، مع اعتماده على الأساليب ذاتها في تقليد اللهجات البدوية والمصرية من دون التركيز على مضمون معيّن. كما يتناول بطريقة سطحية بعض الظواهر في المجتمع السوري. مثلاً تصوِّر إحدى اللوحات لقاءً تلفزيونياً بين المذيعة التي تلعب دورها نبال الجزائري، ومجموعة من الضيوف يجسّدهم محمد حداقي، وجيني إسبر، ومحمد الأحمد، وأدهم مرشد. ويبذل هؤلاء قصارى جهدهم لتقديم أي مادة تغري المشاهد بلا جدوى. أما الجزائري فتحاول تقليد مذيعات التلفزيون السوري بتواضع. هكذا يتّضح أن الهدف من كل هذه اللوحة هو السخرية من أخطاء التلفزيون الرسمي وبدائية عمله...
أما مسلسل «صبايا» في جزئه الثاني فيبدو أن عناصره تسير على مستوى واحد. هكذا التقت سطحية النص الذي كتبه مازن طه وزوجته نور الشيشكلي، مع وجهة نظر المخرج فراس دهني وموهبته في اختيار البيوت الفخمة، والشوارع النظيفة للتصوير. وما زاد الطين بلة أداء الممثلات اللواتي لم يفوِّتن فرصة لترسيخ لقب «فاتنات الدراما السورية» الذي أطلقته عليهن محطة «روتانا خليجية» المنتجة للعمل. وفي زحمة عرض الأزياء والجمال، يغيب عن بطلات العمل التركيز على طريقة الكلام ومخارج الحروف التي جاءت خاطئة عند بعضهن مثل كندة حنا وجيني إسبر.
رغم كل ما سبق، يبقى الانحدار بمستوى «بقعة ضوء»، و«صبايا» أفضل بألف مرة من الصورة النهائية التي خرج بها «أبو جانتي ملك التاكسي» مع سامر المصري. بذل هذا الأخير كل جهوده لتفصيل الدور على قياس مواهبه المتعددة. وسبقت العمل موجة ترويجية تمثّلت في بث أغنية الشارة التي يؤديها المصري نفسه على عشرات الإذاعات العربية. هكذا، توقع المشاهد أن يكون على موعد مع فتح جديد في الكوميديا السورية.
وبالفعل، قدّم العمل في حلقاته الأولى وجبة مسلية ومضحكة إلى حد ما، ليحصل على نسب مشاهدة عالية. لكن سرعان ما اكتشف المشاهد بعد حلقات عدة أن النجم السوري لم يمارس حقه المشروع بتفصيل العمل على مقاسه وغناء الشارة والتفرد ببطولة عمله، بل سيزيد على ذلك حقوقاً لا ندري إن كانت من وظائف الدراما أصلاً. إذ حاول المصري تلميع صورة المسؤولين. ويظهر في إحدى الحلقات وهو يصطدم بسيارة أحد المسؤولين، فينزل من سيارته وينهال على مرافقي المسؤول بالشتائم من دون أن يتفوّه هؤلاء بكلمة، بل يُعجب المسؤول بالسائق ويصبح صديقه. الصورة سريالية طبعاً. إذ غالباً ما تحصل في الشارع السوري حوادث مشابهة لكن نتائجها تكون مختلفة كلياً. ولن يكتفي المصري بهذا الحد، بل سيستغل الفرصة لتوطيد علاقته بالمحطة السعودية المنتجة «روتانا خليجية»، عندما يلمّع صورة أحد الشيوخ الخليجيين أثناء زيارته دمشق حيث يوزّع كرمه على الجميع. حتى الساعة، يبدو غير مفهوم لماذا تحاول الدراما السورية تجاهل ظواهر عدّة في المجتمع يمكن أن تمثّل مادة دسمة ومضحكة للمشاهد.
تجريب وتطويل
لا يكفّ مخرج مسلسل «أبو جانتي ملك التاكسي» محمد زهير قنوع عن التجريب في طريقة تعاطيه مع المشاهد. حتى لو كان تجريباً كيفيّاً. وفي مسلسله الجديد، يعتمد أسلوب مونتاج جديد يقلّل من انسجام المشاهد مع العمل (إن حصل هذا الانسجام). من جانب آخر، يفترض سامر المصري أن مُشاهده قادم من مجاهل قارة نائية لم تكتشف العالم بعد، فيصادق تارة أحد اللصوص الذي حاول سرقة منزله، ويوزّع طوراً أموله وممتلكاته على الفقراء، متبرّعاً بحلّ مشاكل ركابه الاجتماعية والمادية. ولا يجد النجم السوري مشكلة في التطويل الذي يغرق فيه العمل، فيقضي أيامه بالغناء دامجاً اللغتَين العربية والإنكليزية.
Comment