ضيوف الشرف في المسلسل السوري .. مجرد أصدقاء وجيران وأعداء وخدم !
دمشق ..
بعد مقاربات صحفية ونقدية لسيناريو المسلسل الدرامي السوري يمكن للمشاهد أن يلاحظ عدة ملاحظات على بنية وتركيب هذا السيناريو، أولها هي الزيادة الظاهرة في نسبة ضيوف الشرف، أو التي توردها تترات «شارة البداية أو الختام» بصيغ مختلفة على نحو: بالاشتراك مع، تمثيل، الوجه الجديد، لأول مرة، قام بأداء دور.. وهي صيغ يبرع فيها المخرجون السوريون إلى حد التظارف، حيث يمكن لمتتبع هذه الشارات أن يرى كم من الأسماء التي تتلو أدوار البطولة في العمل الدرامي، وكيف يتم توزيع هذه الأسماء بطريقة لا يمكن قراءتها نقدياً إلا من خلال العطب الذي تعاني منه معظم السيناريوهات المكتوبة للدراما السورية.
يتمثل هذا العطب أولاً في كتابة المسلسل للبطل المحوري في العمل الدرامي، وغالباً ما يكون هذا البطل ممثلاً من «الصف الأول» حسب تقييمات الشركة المنتجة، أو أن يكون البطل، أو البطلة هو صاحب شركة الإنتاج، وقد كُتب العمل بالإطلاق لموهبته العظيمة..! لهذا لا يتبقى لممثلي «الصف الثاني أو الثالث» سوى تلك الأدوار التي تحوم حول البطل المركزي وتساعده على إتمام أفعاله اليومية، إذ يحتاج البطل إلى أصدقاء وجيران وأعداء وعشيقات وعشاق ومنافسين وخدم، وهذه الأدوار تبدو وظيفية لإكمال وتنشيط مساحة البطل في المسلسل، ولذلك لاريب في أن نشاهد شخصيات تطل علينا في بداية المسلسل، وتغيب حلقات لتظهر ما قبل نهاية العمل التلفزيوني بحلقة أو حلقتين، إنها تظهر لحاجة درامية محضة، ولكن هذه الحاجة لا تتعدى الوظيفة التي تقوم بها، وغالباً ما تكون هذه الوظيفة هي عبارة عن أفعال يحتاجها البطل في حياته حاجته لأشخاص يمكنونه من القيام بدوره وصراعه مع المحيط.
إن نظرة سريعة على مجمل ما تقدمه المسلسلات السورية ستمكننا من التأكد أن الشخصيات الأساسية في هذه الدراما تعيش معزولة عن محيطها، ويمكن تسجيل عشرات اللقطات والمشاهد الليلية الداخلية في البيوت، أو تلك المشاهد التي تصور «للأبطال» في سياراتهم وهم يجوبون المدينة ليلاً، وحتى تلك المشاهد التي تصور البطل على أنه يمشي في شوارع المدينة نهاراً ستبرز مدى الوحدة التي يعاني منها، أو التي تحاول تأمين مروره في الأماكن المكتظة من خلال الاستعانة بحشد هائل من الكومبارس، أو تطبيق مبدأ الكاميرا الخفية لتصوير تجواله وتبضعه وشروده مع أفكاره أثناء تصوير مشاهده الاستعراضية.
سنتأكد من حجم المأساة عندما نعرف حجم المونتاج الذي تعرضت له هذه المشاهد، هذا كله من أجل عزل كل تلك النظرات إلى الكاميرا من مشاة الشارع الحقيقيين.
إلى هذا سيعمل البطل -البطلة أكثر فأكثر- إذا ما استثنينا مسلسلات يتم تصويرها في قفار وصحارى أو في استوديوهات مغلقة- على صياغة واقع افتراضي عجيب غريب للدراما السورية، التي تحاول اليوم أن تعزز علاقتها مع الشارع وهمومه محتلةً مساحات كبيرة من البث الفضائي العربي، وحتى لا أكون جائراً في طرحي هذا فإن تجارب عديدة لمخرجين وكتّاب سوريين تجاوزت مشكلة البطل المركزي وقضية خدمته وتلميعه وتلبية حاجاته؛ كان أبرزها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل «الانتظار» لليث حجو، الذي كتبه كلٌ من حسن سامي يوسف ونجيب نصير، إذ لا وجود في هذا العمل الجميل والصادم «للممثل الخادم» أو ما يسمى بضيف الشرف.. رغم وجود ممثلين نجوم، والسبب يعود إلى السيناريو الذكي والمحكم لنصير وسامي اليوسف اللذين تمكنا من كتابة الشخصيات في البيئة الحقيقية للأحداث، فلا وجود لممثل وظائفي هنا، بل الكل فاعل ومشارك في الصراع وتطور الأحداث كل حسب دوره، بالتالي استطاعت كاميرا الليث أن تسجل لقطات حقيقية للبيئة السورية وتحديداً سكان الهامش العمراني في مدينة دمشق، ولهذا لم ينفرد ممثل نجم مثل بسام كوسا ببطولة الانتظار بل كان جزءاً لا يتجزأ من الجماعية المتحركة في الكادر التلفزيوني.
في الحقيقة وبتوقع قول قائل ممن سينبرون للدفاع عن سيناريوهاتهم بأن طبيعة القصة هي من تفرض عليهم كتابة سيناريوهات كهذه سأقول: إن طبيعة القصة التي يدافعون عنها لا تخضع لشروط فن الكتابة، بقدر ما تخضع لسوء الكتابة واستسهالها، لذلك تقدم لنا هذه الكتابة الماراتونية نماذج سيناريوهية مشوهة وأحادية الطرح درامياً وفنياً، ومشغولة بطريقة إقصائية لعشرات الممثلين الشباب الذين يطمحون اليوم لنيل فرصتهم أمام الكاميرا، لكن ليس بصيغة «يمر ملوّحاً» بل بالصيغة التي تقدم موهبتهم و«وجوههم الجديدة» على أنها وجوه جديرة بلقطات «الزوم إن» مثلما هي جديرة بمناصبة- العداء والخصومة لأبطال الصف الأول.
ربما كان من حق الجهة الإنتاجية أن تسوق مسلسلاتها في عقود التوزيع للمحطات بأسماء النجوم السوريين أو غيرهم، لكن السؤال متى سنرى تترات «شارات» لأعمال سورية تورد أسماء الممثلين دون تلك التسويات الإقناعية باستضافتهم؟، متى يستطيع العمل الدرامي السوري أن يتخلص من ضيوفه دفعةً واحدة لتصير حتى أسماء الكومبارس مكتوبة على تلك التترات الخلبية؟ .
تشرين دراما - سامر اسماعيل
دمشق ..
بعد مقاربات صحفية ونقدية لسيناريو المسلسل الدرامي السوري يمكن للمشاهد أن يلاحظ عدة ملاحظات على بنية وتركيب هذا السيناريو، أولها هي الزيادة الظاهرة في نسبة ضيوف الشرف، أو التي توردها تترات «شارة البداية أو الختام» بصيغ مختلفة على نحو: بالاشتراك مع، تمثيل، الوجه الجديد، لأول مرة، قام بأداء دور.. وهي صيغ يبرع فيها المخرجون السوريون إلى حد التظارف، حيث يمكن لمتتبع هذه الشارات أن يرى كم من الأسماء التي تتلو أدوار البطولة في العمل الدرامي، وكيف يتم توزيع هذه الأسماء بطريقة لا يمكن قراءتها نقدياً إلا من خلال العطب الذي تعاني منه معظم السيناريوهات المكتوبة للدراما السورية.
يتمثل هذا العطب أولاً في كتابة المسلسل للبطل المحوري في العمل الدرامي، وغالباً ما يكون هذا البطل ممثلاً من «الصف الأول» حسب تقييمات الشركة المنتجة، أو أن يكون البطل، أو البطلة هو صاحب شركة الإنتاج، وقد كُتب العمل بالإطلاق لموهبته العظيمة..! لهذا لا يتبقى لممثلي «الصف الثاني أو الثالث» سوى تلك الأدوار التي تحوم حول البطل المركزي وتساعده على إتمام أفعاله اليومية، إذ يحتاج البطل إلى أصدقاء وجيران وأعداء وعشيقات وعشاق ومنافسين وخدم، وهذه الأدوار تبدو وظيفية لإكمال وتنشيط مساحة البطل في المسلسل، ولذلك لاريب في أن نشاهد شخصيات تطل علينا في بداية المسلسل، وتغيب حلقات لتظهر ما قبل نهاية العمل التلفزيوني بحلقة أو حلقتين، إنها تظهر لحاجة درامية محضة، ولكن هذه الحاجة لا تتعدى الوظيفة التي تقوم بها، وغالباً ما تكون هذه الوظيفة هي عبارة عن أفعال يحتاجها البطل في حياته حاجته لأشخاص يمكنونه من القيام بدوره وصراعه مع المحيط.
إن نظرة سريعة على مجمل ما تقدمه المسلسلات السورية ستمكننا من التأكد أن الشخصيات الأساسية في هذه الدراما تعيش معزولة عن محيطها، ويمكن تسجيل عشرات اللقطات والمشاهد الليلية الداخلية في البيوت، أو تلك المشاهد التي تصور «للأبطال» في سياراتهم وهم يجوبون المدينة ليلاً، وحتى تلك المشاهد التي تصور البطل على أنه يمشي في شوارع المدينة نهاراً ستبرز مدى الوحدة التي يعاني منها، أو التي تحاول تأمين مروره في الأماكن المكتظة من خلال الاستعانة بحشد هائل من الكومبارس، أو تطبيق مبدأ الكاميرا الخفية لتصوير تجواله وتبضعه وشروده مع أفكاره أثناء تصوير مشاهده الاستعراضية.
سنتأكد من حجم المأساة عندما نعرف حجم المونتاج الذي تعرضت له هذه المشاهد، هذا كله من أجل عزل كل تلك النظرات إلى الكاميرا من مشاة الشارع الحقيقيين.
إلى هذا سيعمل البطل -البطلة أكثر فأكثر- إذا ما استثنينا مسلسلات يتم تصويرها في قفار وصحارى أو في استوديوهات مغلقة- على صياغة واقع افتراضي عجيب غريب للدراما السورية، التي تحاول اليوم أن تعزز علاقتها مع الشارع وهمومه محتلةً مساحات كبيرة من البث الفضائي العربي، وحتى لا أكون جائراً في طرحي هذا فإن تجارب عديدة لمخرجين وكتّاب سوريين تجاوزت مشكلة البطل المركزي وقضية خدمته وتلميعه وتلبية حاجاته؛ كان أبرزها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل «الانتظار» لليث حجو، الذي كتبه كلٌ من حسن سامي يوسف ونجيب نصير، إذ لا وجود في هذا العمل الجميل والصادم «للممثل الخادم» أو ما يسمى بضيف الشرف.. رغم وجود ممثلين نجوم، والسبب يعود إلى السيناريو الذكي والمحكم لنصير وسامي اليوسف اللذين تمكنا من كتابة الشخصيات في البيئة الحقيقية للأحداث، فلا وجود لممثل وظائفي هنا، بل الكل فاعل ومشارك في الصراع وتطور الأحداث كل حسب دوره، بالتالي استطاعت كاميرا الليث أن تسجل لقطات حقيقية للبيئة السورية وتحديداً سكان الهامش العمراني في مدينة دمشق، ولهذا لم ينفرد ممثل نجم مثل بسام كوسا ببطولة الانتظار بل كان جزءاً لا يتجزأ من الجماعية المتحركة في الكادر التلفزيوني.
في الحقيقة وبتوقع قول قائل ممن سينبرون للدفاع عن سيناريوهاتهم بأن طبيعة القصة هي من تفرض عليهم كتابة سيناريوهات كهذه سأقول: إن طبيعة القصة التي يدافعون عنها لا تخضع لشروط فن الكتابة، بقدر ما تخضع لسوء الكتابة واستسهالها، لذلك تقدم لنا هذه الكتابة الماراتونية نماذج سيناريوهية مشوهة وأحادية الطرح درامياً وفنياً، ومشغولة بطريقة إقصائية لعشرات الممثلين الشباب الذين يطمحون اليوم لنيل فرصتهم أمام الكاميرا، لكن ليس بصيغة «يمر ملوّحاً» بل بالصيغة التي تقدم موهبتهم و«وجوههم الجديدة» على أنها وجوه جديرة بلقطات «الزوم إن» مثلما هي جديرة بمناصبة- العداء والخصومة لأبطال الصف الأول.
ربما كان من حق الجهة الإنتاجية أن تسوق مسلسلاتها في عقود التوزيع للمحطات بأسماء النجوم السوريين أو غيرهم، لكن السؤال متى سنرى تترات «شارات» لأعمال سورية تورد أسماء الممثلين دون تلك التسويات الإقناعية باستضافتهم؟، متى يستطيع العمل الدرامي السوري أن يتخلص من ضيوفه دفعةً واحدة لتصير حتى أسماء الكومبارس مكتوبة على تلك التترات الخلبية؟ .
تشرين دراما - سامر اسماعيل
Comment