صعوبات التسويق تهدد جودة المسلسلات السورية
بالنسبة إلى صنّاع الدراما السورية، ونقادها، فإنّ واحداً من النقاشات الساخنة التي قفزت إلى الواجهة بعد الأزمة المالية العالمية، كان انخفاض حجم الإنتاج الدرامي السوري بنحو خمسين في المئة.
وعلى الرغم من أنّ حجم الإنتاج الجديد مال نحو النوع كتعويض عن الكم، إلا أنّ هواجس التسويق ظلّت تسيطر على شركات الإنتاج، وقد اختار معظمها أن ينتج لصالح فضائية بعينها وقلّما تقوم شركات الإنتاج بإنجاز أعمال على أن تبحث مسألة تسويقها وبيعها لاحقاً.
ويبدو أنّ هاجس التسويق لن يتوقّف عند مسألة تقليص الكم، وإنّما هو ربما يتجه، بعد مرور عامين على الصعوبات المالية التي يعاني منها قطاع إنتاج الدراما السورية، إلى التأثير على النوعية أيضاً.
وقد عبّر عن ذلك صراحة واحد من أكثر المنتجين فاعلية في الوسط الدرامي السوري، هو الفنان عبد الهادي الصبّاغ، خلال حوار بثتّه الفضائية السورية الأسبوع الماضي.
ورأى الصبّاغ أنّ مشكلات تسويق الدراما السورية من شأنها أن تؤثر على السوية الفنية للأعمال المنتجة، شارحاً ذلك بالقول إنّ «منتج هذه الأعمال، عندما كان يرفع من طاقة عمله الإنتاجية سواء من ناحية استقطاب ممثلين جيّدين أو فنيين لضمان سوية فنية عالية، كان يعرف أنّه سيسترد الأموال التي استثمرها مع بدء عرض عمله على الفضائيات. لكنّه اليوم، مع ارتفاع صعوبات التسويق، لا يضمن أنّه سيبيع عمله، ومن الطبيعي أن يخفّف ذلك من حماسته لدفع المزيد من المال، الأمر الذي سينعكس حكما على سوية العمل الفنية».
ومن أسباب تراجع طلب الفضائيات على شراء المزيد من الأعمال الدرامية السورية، بحسب الفنان الصباغ، هو نزول الدراما الخليجية والدراما التركية إلى سوق العرض الفضائي، «ليس كمنافس قويّ وحسب، إنّما كمنافس له الأولوية «في مواجهة، لا بد من أن يحسم المنافسة أخيراً لصالحه في مساحة البث الفضائي..!
ولعلّ في تفاصيل العرض الدرامي للموسم الرمضاني الفائت ما يدحض الرأي الأخير، ويؤكّد أنّ للفضائيات حسابات أخرى لا تأتي جودة العمل الفنية في أولويتها.
ويشير إلى اختيار فضائية «روتانا خليجية» اتبّاع «سياسة إرضاء الجميع» في خياراتها الدرامية خلال رمضان الفائت، حيث اختارت عرض اثني عشر مسلسلاً دراميا، موزّعة بالعدل بين السوري والمصري والخليجي (أربعة مسلسلات من كلّ فئة).
في المقابل، كانت فضائية «دبي» تؤجّل عرض العمل الكوميدي السوري الوحيد «مرسوم عائلي»، على الرغم من أنّه كان من إنتاجها، لصالح عرض مسلسل كوميدي خليجي. وكذلك، ارتفعت حصة المسلسلات الخليجية عبر قناة «أم بي سي»، وجاء تمدّد الدراما التركية على امتداد ساعات بث القناة على حساب الدراما المصرية والسورية معا.. وذلك من دون أن يبدو سلوك أي من تلك الفضائيات غريباً، فالدراما الخليجية هي دراما أهل البيت أمّا الدراما التركية فهي البضاعة الأرخص التي لها جمهورها الكبير أيضاً.
وإذا سلّمنا بأنّ سوق العرض الفضائي الكبرى هي خليجية، فيمكن الجزم بأنّ الأولوية ستبقى لمسلسلاتها. وفي مواجهة المدّ التركي، هل صار من اللازم البدء بالتفكير بإنتاج دراما سورية (أو حتى مصرية) منخفضة الكلفة..؟ّ!
وليس من المبالغة القول إنّ بعض شركات الإنتاج السورية بدأت تذهب في هذا الاتجاه، وإن لم تعلن ذلك صراحة. ويظهر ذلك في عدم تشدّدها في اختيار طاقم عملها من فنانتين وفنيين ..
وبات من الرائج أن تقوم شركة إنتاج باستبدال مخرج عملها بمساعده مثلاً ليكمل تصوير العمل، أو أن تقوم أخرى اختلفت مع ممثلة من الصف الأول على الأجر باستبدالها بنجمة من الصف الثالث، وربّما حتى بوجه جديد..
وقبل هذا وذاك، هناك من بات يتقبل فكرة شراء نصوص ضعيفة غالباً ما تحتاج لإعادة كتابة من قبل المخرج والممثلين لتصير صالحة للعرض... وكلّ حالات الاستسهال تلك كانت تمرر غالباً من خلال استقطاب ممثل من الصف الأول يكون هو في الواجهة الإعلانية والإعلامية، يأخذ الأجر الذي يريده وبالشروط التي يريدها، وباسمه يُباع المسلسل ويُسوّق..
وبذلك تبدأ تباشير عصر جديد للدراما السورية.. عصر دراما البطل الأوحد.
في ما سلف قراءة لما يجري، مع محاولة بعدم المبالغة بالتشاؤم. ولعلّ كلّ ذلك يزيد من الجهد المتوقّع من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي التي شهدت عملية تحديث أخيراً في سوريا (راجع «السفير» في 1/02/2010 العدد: 11515)، والتي ستتخصّص في الإنتاج الدرامي السوري.
ويُتوقّع من المؤسسة أن ترتقي بمستوى الإنتاج الفني وتساهم في تحويل الدراما السورية إلى صناعة دائمة التطوّر، من دون أن تخضع لشروط التسويق، لا سيما أنّها أعلنت أنّها ستعمل بمال القطاع العام، إلا أنّها ستعتمد أساليب ومرونة الحركة المتبعة في القطاع الخاص.
كما أننّا «ما زلنا محكومين بالأمل» الذي تبثه بعض شركات الإنتاج الخاصة التي يديرها أصحاب مشاريع فنية حقيقية، وليس ممولين.
بالنسبة إلى صنّاع الدراما السورية، ونقادها، فإنّ واحداً من النقاشات الساخنة التي قفزت إلى الواجهة بعد الأزمة المالية العالمية، كان انخفاض حجم الإنتاج الدرامي السوري بنحو خمسين في المئة.
وعلى الرغم من أنّ حجم الإنتاج الجديد مال نحو النوع كتعويض عن الكم، إلا أنّ هواجس التسويق ظلّت تسيطر على شركات الإنتاج، وقد اختار معظمها أن ينتج لصالح فضائية بعينها وقلّما تقوم شركات الإنتاج بإنجاز أعمال على أن تبحث مسألة تسويقها وبيعها لاحقاً.
ويبدو أنّ هاجس التسويق لن يتوقّف عند مسألة تقليص الكم، وإنّما هو ربما يتجه، بعد مرور عامين على الصعوبات المالية التي يعاني منها قطاع إنتاج الدراما السورية، إلى التأثير على النوعية أيضاً.
وقد عبّر عن ذلك صراحة واحد من أكثر المنتجين فاعلية في الوسط الدرامي السوري، هو الفنان عبد الهادي الصبّاغ، خلال حوار بثتّه الفضائية السورية الأسبوع الماضي.
ورأى الصبّاغ أنّ مشكلات تسويق الدراما السورية من شأنها أن تؤثر على السوية الفنية للأعمال المنتجة، شارحاً ذلك بالقول إنّ «منتج هذه الأعمال، عندما كان يرفع من طاقة عمله الإنتاجية سواء من ناحية استقطاب ممثلين جيّدين أو فنيين لضمان سوية فنية عالية، كان يعرف أنّه سيسترد الأموال التي استثمرها مع بدء عرض عمله على الفضائيات. لكنّه اليوم، مع ارتفاع صعوبات التسويق، لا يضمن أنّه سيبيع عمله، ومن الطبيعي أن يخفّف ذلك من حماسته لدفع المزيد من المال، الأمر الذي سينعكس حكما على سوية العمل الفنية».
ومن أسباب تراجع طلب الفضائيات على شراء المزيد من الأعمال الدرامية السورية، بحسب الفنان الصباغ، هو نزول الدراما الخليجية والدراما التركية إلى سوق العرض الفضائي، «ليس كمنافس قويّ وحسب، إنّما كمنافس له الأولوية «في مواجهة، لا بد من أن يحسم المنافسة أخيراً لصالحه في مساحة البث الفضائي..!
ولعلّ في تفاصيل العرض الدرامي للموسم الرمضاني الفائت ما يدحض الرأي الأخير، ويؤكّد أنّ للفضائيات حسابات أخرى لا تأتي جودة العمل الفنية في أولويتها.
ويشير إلى اختيار فضائية «روتانا خليجية» اتبّاع «سياسة إرضاء الجميع» في خياراتها الدرامية خلال رمضان الفائت، حيث اختارت عرض اثني عشر مسلسلاً دراميا، موزّعة بالعدل بين السوري والمصري والخليجي (أربعة مسلسلات من كلّ فئة).
في المقابل، كانت فضائية «دبي» تؤجّل عرض العمل الكوميدي السوري الوحيد «مرسوم عائلي»، على الرغم من أنّه كان من إنتاجها، لصالح عرض مسلسل كوميدي خليجي. وكذلك، ارتفعت حصة المسلسلات الخليجية عبر قناة «أم بي سي»، وجاء تمدّد الدراما التركية على امتداد ساعات بث القناة على حساب الدراما المصرية والسورية معا.. وذلك من دون أن يبدو سلوك أي من تلك الفضائيات غريباً، فالدراما الخليجية هي دراما أهل البيت أمّا الدراما التركية فهي البضاعة الأرخص التي لها جمهورها الكبير أيضاً.
وإذا سلّمنا بأنّ سوق العرض الفضائي الكبرى هي خليجية، فيمكن الجزم بأنّ الأولوية ستبقى لمسلسلاتها. وفي مواجهة المدّ التركي، هل صار من اللازم البدء بالتفكير بإنتاج دراما سورية (أو حتى مصرية) منخفضة الكلفة..؟ّ!
وليس من المبالغة القول إنّ بعض شركات الإنتاج السورية بدأت تذهب في هذا الاتجاه، وإن لم تعلن ذلك صراحة. ويظهر ذلك في عدم تشدّدها في اختيار طاقم عملها من فنانتين وفنيين ..
وبات من الرائج أن تقوم شركة إنتاج باستبدال مخرج عملها بمساعده مثلاً ليكمل تصوير العمل، أو أن تقوم أخرى اختلفت مع ممثلة من الصف الأول على الأجر باستبدالها بنجمة من الصف الثالث، وربّما حتى بوجه جديد..
وقبل هذا وذاك، هناك من بات يتقبل فكرة شراء نصوص ضعيفة غالباً ما تحتاج لإعادة كتابة من قبل المخرج والممثلين لتصير صالحة للعرض... وكلّ حالات الاستسهال تلك كانت تمرر غالباً من خلال استقطاب ممثل من الصف الأول يكون هو في الواجهة الإعلانية والإعلامية، يأخذ الأجر الذي يريده وبالشروط التي يريدها، وباسمه يُباع المسلسل ويُسوّق..
وبذلك تبدأ تباشير عصر جديد للدراما السورية.. عصر دراما البطل الأوحد.
في ما سلف قراءة لما يجري، مع محاولة بعدم المبالغة بالتشاؤم. ولعلّ كلّ ذلك يزيد من الجهد المتوقّع من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي التي شهدت عملية تحديث أخيراً في سوريا (راجع «السفير» في 1/02/2010 العدد: 11515)، والتي ستتخصّص في الإنتاج الدرامي السوري.
ويُتوقّع من المؤسسة أن ترتقي بمستوى الإنتاج الفني وتساهم في تحويل الدراما السورية إلى صناعة دائمة التطوّر، من دون أن تخضع لشروط التسويق، لا سيما أنّها أعلنت أنّها ستعمل بمال القطاع العام، إلا أنّها ستعتمد أساليب ومرونة الحركة المتبعة في القطاع الخاص.
كما أننّا «ما زلنا محكومين بالأمل» الذي تبثه بعض شركات الإنتاج الخاصة التي يديرها أصحاب مشاريع فنية حقيقية، وليس ممولين.
Comment