ريم حنا: كاتبة الدراما تواصل أحلامها المؤجّلة
تختلط الوقائع الحياتية بالدراما المتخيّلة في حالات من التلصّص، تقتنصها ريم حنا من الشارع، في مشاريع تلفزيونية لافتة، بدأتها بـ«أحلام مؤجلة»، المسلسل الذي أكد حضورها ككاتبة سيناريو من طرز خاص. ذلك أن الأعمال اللاحقة التي حملت توقيعها لاقت اهتماماً واسعاً من المشاهدين، وخصوصاً أنها صبّت اهتماماتها على قضايا اجتماعية راهنة تتعلق بتحولات الشارع السوري وانحسار قيم الطبقة الوسطى ومحاولة ترميم العطب، أقلّه درامياً.
تردّ ريم حنا هذا التنوّع في شخصيّاتها إلى مرجعية البيئات المختلفة التي خبرتها عن كثب، فضلاً عن شغفها بالعمارة الروائية في تشريح مصائر الشخصيات «ليس الواقع مرجعيتي الوحيدة في كتابة أعمالي. هناك التخييل الروائي الذي يمنح الشخصية أبعاداً أعمق في تلقّي أفعالها». وتعترف صاحبة «ذكريات الزمن القادم» بأن كل ما تكتبه هو تمرينات على رواية مؤجلة: «صحيح أن المسلسل التلفزيوني لا ينتمي إلى أي جنس أدبي، لكنني أسعى إلى استعارة مقومات الرواية الحداثية في بناء الشخصية، كما يفعل ميلان كونديرا في رواياته مثلاً».
عاشت ريم حنا مكابدات الترحال من مكان إلى آخر، تبعاً لظروف والدها الفلسطيني المهجّر. فقد ولدت في حوران في الجنوب السوري، ثم وجدت نفسها في القامشلي في الحدود الشمالية للبلاد، قبل أن تستقر في دمشق. دراستها للإعلام قادتها إلى كتابة الشعر، لكنها سرعان ما توقفت عن هذا «العبث» لتنكبّ أخيراً على كتابة الدراما التلفزيونية من موقع مغاير. عملها الأخير «رسائل الحب والحرب» (2008)، أثار ردود فعل متباينة، نظراً إلى اشتباكه مع قضايا سجالية، تتعلق بشخصية المستبد في الحب والحرب على خلفية العلاقات السورية اللبنانية. لكنّ مقصّ الرقيب أطاح تصورات هذا العمل فأتى مبتوراً في نهايته «الرقابة قدر محتوم، لكنني أطالب الرقيب بأن يناقشني أولاً كي لا يتشوّه العمل» تقول.
من جهة أخرى، تعترف ريم حنا بأنها كاتبة كسولة، تستغرق في كتابة العمل نحو سنتين. وتعيد هذا الكسل إلى شغفها بالكتابة من موقع الهواية لا الاحتراف. «ما إن أفقد لذة الكتابة، حتى أتوقف عن العمل. إذا أضعت بوصلة شخصية ما، لن أكمل ما بدأته حتى تحوم روح الشخصية مرة أخرى، وتحطّ في مكانها المناسب».
تروي صاحبة «الخرزة الزرقاء» أنّها كثيراً ما تجد شخصية ما تقتحم فضاء العمل، فتحاول إبعادها، لكنها ستطرق بابها مرة أخرى إلى أن تحتل موقعها في مجرى الأحداث. من هذا المنطلق، ترفض صفة كاتبة واقعية في تقويم أعمالها «الإلهام أساسي في عملي. كثيراً ما أجد نفسي أمام مشاهد لم أفكّر فيها قبلاً. وإذا بها تقود الكتابة إلى مسارب جديدة» ثم تستدرك قائلة «أحياناً يتفوّق الواقع على التخييل، ما يحتاج إلى إقناع درامي. وهو ما أحاول ترميمه بقراءة مراجع ترفد عملي التخييلي. خلال كتابة «رسائل الحب والحرب»، اعتمدتُ على معلومات كتاب «يوميات الاجتياح» وقراءة كتابات ميشيل فوكو عن علاقة المثقف بالسلطة». وتروي حكاية حصلت معها، «أوقفت تاكسي للذهاب إلى «غاليري أيام» في منطقة المزة التي كنتُ أزورها لأول مرة. لم يكن السائق يعرف العنوان بدقة، وكان خلال سؤاله عن موقع المكان، مصرّاً على عبارة «صالة أفراح» إلى أن اهتدى إلى زبّال فسأله عن «صالة أيام» فأجابه: تقصد غالوري أيام... إنّها في الشارع الموازي». وتضيف ريم موضحةً «لعل في هذه الحكاية ضرباً من الفانتازيا الواقعية، فالزبّال قد يكون طالباً جامعياً، لكنني في الدراما لا أستطيع إقناع المشاهد بواقعية الحادثة». فكرة أخرى تتوقف عندها وترى أنها جوهرية في اشتغالها على الشخصيات «لا أستطيع أن أحمّل إحدى الشخصيات ذنوباً لم ترتكبها وأضعها في قوالب أخلاقية جاهزة، فأنا أقف على مسافة واحدة من الجميع، كما أنني أفتّش عن ذرائع ومبررات لسلوكيات هذه الشخصية أو تلك. وبعبارة أخرى، فإنني أعيش حداداً على شخصيات أعمالي بمجرد الابتعاد عنها». وتقول ريم إنّ علاقتها بالمخرجين إشكالية من جهة، ونديّة من جهة أخرى، «أرفض أن يكون المخرج محتلاً لنصّي تحت أوهام سطوة الصورة، ولم يسبق أن ساومت على نصوصي لمصلحة رؤية المخرج وحدها».
الضحكة الرنانة التي تميّز شخصية ريم حنا، تكمن وراءها أحزان دفينة، فهي كما تقول «مرتهنة للفقدان». خلال السنوات القليلة الماضية، فقدت والدها ثم شقيقها ثم زوجها. هكذا اكتشفت أن الحياة سفينة مبحرة من دون قوانين، وعلينا أن نعيشها بشغف. «أسخر من سلطة القرار الصارمة وقوانين العقوبات، والالتزام بالمواعيد». هذه المزاجية لن نجدها في نصوص الكاتبة، إذ إنها تعمل وفق تصورات صارمة في بناء تضاريس النص، من دون أن تغفل «توريط المشاهد» في وقائع العمل، سواء عن طريق الحبكة البوليسية، أو اختراع وصفات في التشويق. وحين نسألها عن ملامح الشخصية السورية في هذه الدراما، تسارع إلى القول «هذه مهمة صعبة للغاية، بوجود هويات وإثنيات متعددة، وتحتاج إلى حفر أعمق، لكنّ هذا التنوّع يمنح ذاكرتي رحابة وغنى في علاقتي مع الآخر».
في جعبة ريم حنا مشاريع كثيرة لم تنجزها، أو أنها قيد الكتابة، بينها مشروع عن المراهقين وعلاقتهم بالآباء، وكيفية نشوء سلوكيات جديدة تحتاج إلى مقاربة عميقة لاختبار نمط تفكير المراهقين، تحت عنوان «المثال الأعلى»، فضلاً عن مشروع تحويل رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي إلى مسلسل درامي مع المخرج نجدة أنزور في أول تعاون بينهما. هذا المشروع الذي طاف طويلاً بين أكثر من ورشة عمل، حطّ أخيراً في مرمى الكاتبة السورية في امتحان مختلف، إذ لم يسبق أن اعتمدت نصاً أدبياً في كتابة أعمالها، «تكمن صعوبة رواية كهذه من الشهرة الواسعة التي حققتها، وكيفية تقديمها على الشاشة الصغيرة في عمل طويل. لكنني سأحاول أن أكتبها بطريقتي، كما لو أنها نصّي الشخصي..سأتبع حدسي»
.خليل صويلح
5تواريخ
1962
الولادة في حوران (الجنوب السوري) لأب فلسطيني وأم سورية
1981
الانتساب إلى معهد الإعداد الإعلامي في دمشق
1993
كتابة أول عمل درامي بعنوان«أحلام مؤجلة»
2007
جائزة أفضل عمل درامي في «مهرجان الخليج» عن «رسائل الحب والحرب»
2010
تحويل رواية «ذاكرة الجسد»(أحلام مستغانمي) إلى عمل تلفزيوني
تختلط الوقائع الحياتية بالدراما المتخيّلة في حالات من التلصّص، تقتنصها ريم حنا من الشارع، في مشاريع تلفزيونية لافتة، بدأتها بـ«أحلام مؤجلة»، المسلسل الذي أكد حضورها ككاتبة سيناريو من طرز خاص. ذلك أن الأعمال اللاحقة التي حملت توقيعها لاقت اهتماماً واسعاً من المشاهدين، وخصوصاً أنها صبّت اهتماماتها على قضايا اجتماعية راهنة تتعلق بتحولات الشارع السوري وانحسار قيم الطبقة الوسطى ومحاولة ترميم العطب، أقلّه درامياً.
تردّ ريم حنا هذا التنوّع في شخصيّاتها إلى مرجعية البيئات المختلفة التي خبرتها عن كثب، فضلاً عن شغفها بالعمارة الروائية في تشريح مصائر الشخصيات «ليس الواقع مرجعيتي الوحيدة في كتابة أعمالي. هناك التخييل الروائي الذي يمنح الشخصية أبعاداً أعمق في تلقّي أفعالها». وتعترف صاحبة «ذكريات الزمن القادم» بأن كل ما تكتبه هو تمرينات على رواية مؤجلة: «صحيح أن المسلسل التلفزيوني لا ينتمي إلى أي جنس أدبي، لكنني أسعى إلى استعارة مقومات الرواية الحداثية في بناء الشخصية، كما يفعل ميلان كونديرا في رواياته مثلاً».
عاشت ريم حنا مكابدات الترحال من مكان إلى آخر، تبعاً لظروف والدها الفلسطيني المهجّر. فقد ولدت في حوران في الجنوب السوري، ثم وجدت نفسها في القامشلي في الحدود الشمالية للبلاد، قبل أن تستقر في دمشق. دراستها للإعلام قادتها إلى كتابة الشعر، لكنها سرعان ما توقفت عن هذا «العبث» لتنكبّ أخيراً على كتابة الدراما التلفزيونية من موقع مغاير. عملها الأخير «رسائل الحب والحرب» (2008)، أثار ردود فعل متباينة، نظراً إلى اشتباكه مع قضايا سجالية، تتعلق بشخصية المستبد في الحب والحرب على خلفية العلاقات السورية اللبنانية. لكنّ مقصّ الرقيب أطاح تصورات هذا العمل فأتى مبتوراً في نهايته «الرقابة قدر محتوم، لكنني أطالب الرقيب بأن يناقشني أولاً كي لا يتشوّه العمل» تقول.
من جهة أخرى، تعترف ريم حنا بأنها كاتبة كسولة، تستغرق في كتابة العمل نحو سنتين. وتعيد هذا الكسل إلى شغفها بالكتابة من موقع الهواية لا الاحتراف. «ما إن أفقد لذة الكتابة، حتى أتوقف عن العمل. إذا أضعت بوصلة شخصية ما، لن أكمل ما بدأته حتى تحوم روح الشخصية مرة أخرى، وتحطّ في مكانها المناسب».
تروي صاحبة «الخرزة الزرقاء» أنّها كثيراً ما تجد شخصية ما تقتحم فضاء العمل، فتحاول إبعادها، لكنها ستطرق بابها مرة أخرى إلى أن تحتل موقعها في مجرى الأحداث. من هذا المنطلق، ترفض صفة كاتبة واقعية في تقويم أعمالها «الإلهام أساسي في عملي. كثيراً ما أجد نفسي أمام مشاهد لم أفكّر فيها قبلاً. وإذا بها تقود الكتابة إلى مسارب جديدة» ثم تستدرك قائلة «أحياناً يتفوّق الواقع على التخييل، ما يحتاج إلى إقناع درامي. وهو ما أحاول ترميمه بقراءة مراجع ترفد عملي التخييلي. خلال كتابة «رسائل الحب والحرب»، اعتمدتُ على معلومات كتاب «يوميات الاجتياح» وقراءة كتابات ميشيل فوكو عن علاقة المثقف بالسلطة». وتروي حكاية حصلت معها، «أوقفت تاكسي للذهاب إلى «غاليري أيام» في منطقة المزة التي كنتُ أزورها لأول مرة. لم يكن السائق يعرف العنوان بدقة، وكان خلال سؤاله عن موقع المكان، مصرّاً على عبارة «صالة أفراح» إلى أن اهتدى إلى زبّال فسأله عن «صالة أيام» فأجابه: تقصد غالوري أيام... إنّها في الشارع الموازي». وتضيف ريم موضحةً «لعل في هذه الحكاية ضرباً من الفانتازيا الواقعية، فالزبّال قد يكون طالباً جامعياً، لكنني في الدراما لا أستطيع إقناع المشاهد بواقعية الحادثة». فكرة أخرى تتوقف عندها وترى أنها جوهرية في اشتغالها على الشخصيات «لا أستطيع أن أحمّل إحدى الشخصيات ذنوباً لم ترتكبها وأضعها في قوالب أخلاقية جاهزة، فأنا أقف على مسافة واحدة من الجميع، كما أنني أفتّش عن ذرائع ومبررات لسلوكيات هذه الشخصية أو تلك. وبعبارة أخرى، فإنني أعيش حداداً على شخصيات أعمالي بمجرد الابتعاد عنها». وتقول ريم إنّ علاقتها بالمخرجين إشكالية من جهة، ونديّة من جهة أخرى، «أرفض أن يكون المخرج محتلاً لنصّي تحت أوهام سطوة الصورة، ولم يسبق أن ساومت على نصوصي لمصلحة رؤية المخرج وحدها».
الضحكة الرنانة التي تميّز شخصية ريم حنا، تكمن وراءها أحزان دفينة، فهي كما تقول «مرتهنة للفقدان». خلال السنوات القليلة الماضية، فقدت والدها ثم شقيقها ثم زوجها. هكذا اكتشفت أن الحياة سفينة مبحرة من دون قوانين، وعلينا أن نعيشها بشغف. «أسخر من سلطة القرار الصارمة وقوانين العقوبات، والالتزام بالمواعيد». هذه المزاجية لن نجدها في نصوص الكاتبة، إذ إنها تعمل وفق تصورات صارمة في بناء تضاريس النص، من دون أن تغفل «توريط المشاهد» في وقائع العمل، سواء عن طريق الحبكة البوليسية، أو اختراع وصفات في التشويق. وحين نسألها عن ملامح الشخصية السورية في هذه الدراما، تسارع إلى القول «هذه مهمة صعبة للغاية، بوجود هويات وإثنيات متعددة، وتحتاج إلى حفر أعمق، لكنّ هذا التنوّع يمنح ذاكرتي رحابة وغنى في علاقتي مع الآخر».
في جعبة ريم حنا مشاريع كثيرة لم تنجزها، أو أنها قيد الكتابة، بينها مشروع عن المراهقين وعلاقتهم بالآباء، وكيفية نشوء سلوكيات جديدة تحتاج إلى مقاربة عميقة لاختبار نمط تفكير المراهقين، تحت عنوان «المثال الأعلى»، فضلاً عن مشروع تحويل رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي إلى مسلسل درامي مع المخرج نجدة أنزور في أول تعاون بينهما. هذا المشروع الذي طاف طويلاً بين أكثر من ورشة عمل، حطّ أخيراً في مرمى الكاتبة السورية في امتحان مختلف، إذ لم يسبق أن اعتمدت نصاً أدبياً في كتابة أعمالها، «تكمن صعوبة رواية كهذه من الشهرة الواسعة التي حققتها، وكيفية تقديمها على الشاشة الصغيرة في عمل طويل. لكنني سأحاول أن أكتبها بطريقتي، كما لو أنها نصّي الشخصي..سأتبع حدسي»
.خليل صويلح
5تواريخ
1962
الولادة في حوران (الجنوب السوري) لأب فلسطيني وأم سورية
1981
الانتساب إلى معهد الإعداد الإعلامي في دمشق
1993
كتابة أول عمل درامي بعنوان«أحلام مؤجلة»
2007
جائزة أفضل عمل درامي في «مهرجان الخليج» عن «رسائل الحب والحرب»
2010
تحويل رواية «ذاكرة الجسد»(أحلام مستغانمي) إلى عمل تلفزيوني
Comment