كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن بلدة معلولا وعن عملية غزوهامن قبل الجماعات المسلحة، غزوة تبعها الإعلان عن تحريرها بأيدي قوات الجيش النظامي بعد أن عاث المسلحون تخريباً بمقدساتها ومنشآتها الأثرية ومبانيها، فما قصة هذه البلدة التي اثارت إعجاب العالم في الماضي بمعالمها الدينية ولغتها المتداولة، الآرامية المنطوقة أيام السيد المسيح، لتعود هذه البلدة وتهز العالم السياسي، وليتم تناول قضيتها أكثر من أي بلدة او مدينة سورية تعرضت للعنف والدم والإرهاب والتخريب نتيجة الحرب الداخلية الدائرة في سوريا.
جغرافياً تبعد معلولا نحو 60 كم عن العاصمة دمشق، ونحو 15 كم عن أقرب نقطة حدودية مع لبنان، يتواجد على أرضها صيفاً نحو 5000 مواطن مقيم جلهم يتحدث اللغة العربية و اللغة الآرامية لغة السيد المسيح. هذه البلدة تحمل رسمياً صفة مدينة بسبب رمزيتها الدينية ومكانتها السياحية حيث يتوافد عليها سنوياً من مشارق الأرض ومغاربها آلاف الزوار والمؤمنين مسيحيين ومسلمين لمشاهدة مغائرها المنحوتة في الصخر والتبرك في معابدها وكنائسها وأديرتها التاريخية.
لفهم الجوانب العسكرية في قصة غزوة معلولا لا بد من التعرف على بنيتها المعمارية حيث الممرات الصخرية والأزقة الضيقة والمغائر التي سكنها الإنسان القديم والمنحوتة في قلب الرؤوس الصخرية للجبال الحاضنة للبيوت والمنازل المندمجة بكتلها الصخرية والمتراكبة فوق بعضها البعض جاعلة من أسطحها اروقة ومعابر فيما بينها.
لمعلولا مدخل أمامي رئيسي جنوب شرق البلدة يتم الوصول إليه من الطريق الدولي دمشق-حمص ومدخل خلفي شمال غرب البلدة والذي يعرف بالباب العلوي حيث يستقر دير مار سركيس وفندق السفير، هذا المدخل ينفتح على سهول ووديان ما يسمى بالجرد، ومنه يمكن الوصول إلى القرى الداخلية مثل عسال الورد وحوش عرب وبخعة وفليطة ومدينة يبرود التي تبعد عن معلولا نحو 20 كم.
عند تنامي أعمال العنف المسلح تمركزعدد بسيط من القوات النظامية عند مدخل البلدة الأمامي للحفاظ على الإستقرار ومراقبة الطريق تحسباً من تسلل المسلحين عبرها وإليها، مع بقاء البوابة الخلفية دون حماية ومراقبة من الدولة.
ككثير من القرى والبلدات التي انتشرت فيها قوة من الجيش الحر بادرت مجموعة صغيرة من مسلمي معلولا وبعض الملاحقين أمنياً من شبانها، مع تعاطف من بعض المسيحيين غير الموالين للنظام، لتشكيل مجموعة مسلحة بذريعة حماية أهالي البلدة وحراستها من الدخلاء.
أستقرت هذه المجموعة في فندق السفير الشاغر منذ زمن، وكأن استقرارها تنفيذ لإتفاق في إقتسام النفوذ مع القوات النظامية، مضى على سيرانه نحو 170 يوماً حتى غزو البلدة من الجماعات المسلحة.
تواجد كان بإمكان القوات النظامية إنهاءه لو أرادت السلطة ذلك بحصار بسيط ودون إراقة للدماء، إلا انها فضلت عدم التدخل لأسباب لا يمكن تفسيرها إلا بالإهمال والتقاعس والتخلي عن دور الدولة في إدارة شؤون المنطقة كما فعلت الدولة في كثير من المناطق التي استولى عليها المسلحون عند تطور وتنامي النزاع المسلح.
ما حصل في غزوة معلولا أن مجموعة مسلحة من "جبهة تحرير القلمون وجبهة النصرة" دخلت البلدة من البوابة الخلفية المتصلة بالطريق المؤدي لمدينة يبرود، مجموعة تشكلت من متمردي يبرود وبعض متمردي حمص (باب عمرو)، ولا نعلم إن كانت الغزوة قد تمت برضى أو عدم رضى هذه المجموعة الصغيرة من "الجيش الحر" المستقرة في فندق السفير، لتعلن هذه المجموعة المسلحة عن "تحرير معلولا" دون مقاومة من أهلها وسكانها المتواجدين بقسمهم الأعظم في دمشق بحكم عملهم وتعليم ابنائهم، وفرار قسم من المقيمين المكون من كبار السن والعجزة ونسائهم خوفاً من القتل أو الترهيب.
عند سماع خبر غزو البلدة من جماعة "جبهة تحرير القلمون وجبهة النصرة" جند الشبان المقيمين في دمشق بعضهم البعض وتوجهوا نحو بلدتهم للدفاع عنها، بعد الحصول على إذن من القوات النظامية التي زودتهم ببعض البنادق الحربية والقليل من الزخائر.
بعزيمة شبابها ومؤازرة القوات النظامية تمت الاستعادة الجزئية لبلدة معلولا، حيث استثمر الإعلام الرسمي هذه الواقعة لينفذ تقاريره المصورة التي بثها معلناً التحرير الكامل والقضاء على جميع المسلحين.
غير أن هذا الإنتصار لم يستمر طويلاً حيث انسحب شبان البلدة بعد نفاذ ذخيرتهم التي لم تتجاوز 70 طلقة لكل مقاتل، مما اضطرهم للإنسحاب بتغطية من القوات النظامية التي رافقتهم في عملية الإنسحاب هذه.
عملية إنسحاب القوات النظامية تبعه عودة المجموعة المسلحة إلى قلب البلدة حيث إحتلت الأزقة والمنازل ومارست أعمال القتل والترهيب على العدد القليل المتبقي من الأهالي محملين البلدة ثلاثة شهداء وعدد لا يستهان به من الجرحى، عمل إرهابي رفع مؤشر التداول الإعلامي العالمي لقضية معلولا إلى مستوى إثارة القضية من جديد على المستوى المحلي والدولي، حدثاً دفع القوات النظامية للعودة ثانية لتدخل البلدة وتعلن عن عملية تحرير جديدة لم تستكمل حتى أيامنا هذه، حيث لا زال المسلحون يسيطرون على قمم الجبال المحيطة بالبلدة وعلى المدخل الخلفي للبلدة وللمنشآت المجاورة له وعلى الطريق المؤدية للبلدات المجاورة.
ما يتم تداوله حول الأهمية العسكرية أن لمعلولا قيمة استراتيجية حيث تعتبر البلدة معبراً للوصول إلى الطريق الدولي دمشق-حمص والذي يبعد عنها نحو 8 كم، مما سيسهل على الجماعات المسلحة السيطرة على المدخل الشمالي للعاصمة دمشق.
ما ينقض هذه النظرية أن هؤلاء المسلحين "جبهة تحرير القلمون" تشكلوا من بعض مقاتلي يبرود وجماعة من مقاتلين باب عمر (حمص) المنضوين تحت لواء جبهة النصرة والذين سبق أن نزحوا إلى يبرود بعد هزيمتهم في حمص، واستقروا في منطقة ريما الواقعة بين يبرود والنبك، منطقة لا تبعد عن الطريق الدولي دمشق-حمص سوى 2 كم.
بالتدقيق تبدو هذه الفرضية العسكرية غير مقنعة لمن يعرف الطبيعة الجغرافية والطبوغرافية لمنطقة معلولا وطول المسافة نسبياً للوصول إليها ولتعزيز قدرات المقاتلين القادمين إليها، أما موضوع السيطرة على الطريق الدولي دمشق-حمص إنطلاقاً من معلولا فلا بد لهذه المجموعة من أن تعبر بلدة عين التينة الكائنة في منطقة سهلية على منتصف المسافة بين معلولا والطريق الدولي، مما سيعرضها لنيران كثيفة وسهلة من القوات النظامية.
كقوة عسكرية مناهضة للنظام تنتمي "جبهة تحرير القلمون" و "جبهة النصرة" في يبرود للتنظيمات المسلحة المنتشرة في حوض بعلبك الهرمل وحوض القلمون المحازي للحدود اللبنانية والتي يقال أنها تؤتمر بإمرة جبهة النصرة، وهذه القوة مستقلة عن تلك الجماعات المنتشرة شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية والحدود العراقية والتي تعمل في دير الزور وحلب وإدلب تحت لواء جبهات أخرى مثل جبهة الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام.
أما القوات النظامية في سوريا فتتشكل من نحو 400 ألف عسكري (الجيش العربي السوري)، يساندها كتلة ضخمة من القوى الأمنية بإختصاصاتها المختلفة إضافة للعدد الهائل من حزبيي السلطة، أما من حيث القوة والعتاد فالقوات النظامية (الجيش العربي السوري) تشكل ما نسبته 1.87% من عدد السكان و 3.15% من حجم القوة البشرية المؤهلة للعمل و 7.4% من حجم القوة العاملة، و يأتي ترتيبها ضمن 214 دولة وماكرو دولة، الثامنة وفق معيار عدد السكان، والرابعة وفق معيار القوة البشرية، والثالثة مباشرة بعد العراق وكوريا الشعبية وفق معيار النسبة لحجم القوة العاملة.
تبلغ ميزانية القوات النظامية (الجيش العربي السوري) نحو 98 مليار ليرة سورية سنوياً حسب النفقات التقديرية الواردة في الموازنة الموحدة لعام 2010، ميزانية تشكل نحو تريليون ليرة سورية من النفقات على الجيش النظامي و 1،5 ترليون ليرة سورية على كامل قاعدة الحكم (من جيش وأجهزة أمنية وحزب) منذ عام 2000 حتى يومنا، هذا الإنفاق على الجيش النظامي يعادل 3.95% من إجمالي الناتج المحلي متخطياً بذلك معدل الإنفاق في كل من روسيا وكوريا الجنوبية ومصر وباكستان.
لفهم اللغز السياسي والعسكري لغزوة معلولا علينا الأخذ بالإعتبار الحقائق العسكرية لكلا الطرفين والإجابة على مجموعة من الأسئلة لعل أهمها: لماذا لم يتم حماية هذا الموقع الستراتيجي من قبل القوات النظامية طوال هذه المدة، ولماذا تركت بوابتها الخلفية 170 يوماً تحت سيطرة هذه المجموعة الصغيرة من "الجيش الحر"؟ وما هي أسباب تحريرها لأيام قلائل على ايدي القوات النظامية ثم إنسحاب هذه القوات تحت مسمى التراجع التكتيكي، ثم العودة في محاولة لتحريرها من جديد بعملية عسكرية لم تكتمل حتى الآن؟ اليس بمستطاع القوات النظامية استخدام عمليات عسكرية شاملة لمحاصرة البلدة ومحيطها الجغرافي لتحريرها بالكامل من القوات الغازية في خطوة متقدمة للسيطرة النهائية على الشريط الحدودي مع لبنان، مصدر خطر وقلق الدولة والقوات النظامية ؟
مع عملية غزو معلولا من مجموعة مسلحة في غزوة لا تخدم أي بعد استراتيجي يساعد الجماعات المسلحة في التقدم وتحقيق مكاسب عسكرية، وأمام الحقائق المادية والعسكرية قضية وطنية تحتاج للنقاش تتعلق بمدى أهلية القيادة السياسية لمعالجة الأزمة الوطنية وكفاءة القوات النظامية وفاعليتها الميدانية، فكيف لنظام يملك هذه القوة الجرارة أن يتنازل عن أراض لتسيطر عليها قوات غير سورية لا تعرف من جغرافيتها شيئاً، ذلك أن ما يقدمه إعلام السلطة ورواده من تفسيرات للتراجعات المستمرة والمتكررة للقوات العسكرية ولغياب الدولة عن هذه المناطق يمكن لأي طفل بسيط تفنيدها والسخرية من جديتها.
مفارقات تدفع للنظر بجدية في قضية البعد الإعلامي الذي تريد السلطة استثماره على المستوى العالمي في مواجهة التهديدات العسكرية التي أعلنت مؤخراً ضد سوريا، وتذكر في ضرورة التدقيق فيما وصلت إليه السلطة من الصفاقة بحيث تستثمر بشكل خبيث البعد المسيحي للتأثير في قرارات عسكرية تعلنها الولايات المتحدة الأميركية في إطار مناخ سياسي لم يعد للإستثمار اللاوطني لمركبات النسيج السوري أي جدوى، وفي وقت يتعرض فيه مسيحيو الشرق لضغوطات خارجية وداخلية لتهجيرهم رغم أنهم لا يفهمون مسيحيتهم إلا من منظور وطني خالص .
جغرافياً تبعد معلولا نحو 60 كم عن العاصمة دمشق، ونحو 15 كم عن أقرب نقطة حدودية مع لبنان، يتواجد على أرضها صيفاً نحو 5000 مواطن مقيم جلهم يتحدث اللغة العربية و اللغة الآرامية لغة السيد المسيح. هذه البلدة تحمل رسمياً صفة مدينة بسبب رمزيتها الدينية ومكانتها السياحية حيث يتوافد عليها سنوياً من مشارق الأرض ومغاربها آلاف الزوار والمؤمنين مسيحيين ومسلمين لمشاهدة مغائرها المنحوتة في الصخر والتبرك في معابدها وكنائسها وأديرتها التاريخية.
لفهم الجوانب العسكرية في قصة غزوة معلولا لا بد من التعرف على بنيتها المعمارية حيث الممرات الصخرية والأزقة الضيقة والمغائر التي سكنها الإنسان القديم والمنحوتة في قلب الرؤوس الصخرية للجبال الحاضنة للبيوت والمنازل المندمجة بكتلها الصخرية والمتراكبة فوق بعضها البعض جاعلة من أسطحها اروقة ومعابر فيما بينها.
لمعلولا مدخل أمامي رئيسي جنوب شرق البلدة يتم الوصول إليه من الطريق الدولي دمشق-حمص ومدخل خلفي شمال غرب البلدة والذي يعرف بالباب العلوي حيث يستقر دير مار سركيس وفندق السفير، هذا المدخل ينفتح على سهول ووديان ما يسمى بالجرد، ومنه يمكن الوصول إلى القرى الداخلية مثل عسال الورد وحوش عرب وبخعة وفليطة ومدينة يبرود التي تبعد عن معلولا نحو 20 كم.
عند تنامي أعمال العنف المسلح تمركزعدد بسيط من القوات النظامية عند مدخل البلدة الأمامي للحفاظ على الإستقرار ومراقبة الطريق تحسباً من تسلل المسلحين عبرها وإليها، مع بقاء البوابة الخلفية دون حماية ومراقبة من الدولة.
ككثير من القرى والبلدات التي انتشرت فيها قوة من الجيش الحر بادرت مجموعة صغيرة من مسلمي معلولا وبعض الملاحقين أمنياً من شبانها، مع تعاطف من بعض المسيحيين غير الموالين للنظام، لتشكيل مجموعة مسلحة بذريعة حماية أهالي البلدة وحراستها من الدخلاء.
أستقرت هذه المجموعة في فندق السفير الشاغر منذ زمن، وكأن استقرارها تنفيذ لإتفاق في إقتسام النفوذ مع القوات النظامية، مضى على سيرانه نحو 170 يوماً حتى غزو البلدة من الجماعات المسلحة.
تواجد كان بإمكان القوات النظامية إنهاءه لو أرادت السلطة ذلك بحصار بسيط ودون إراقة للدماء، إلا انها فضلت عدم التدخل لأسباب لا يمكن تفسيرها إلا بالإهمال والتقاعس والتخلي عن دور الدولة في إدارة شؤون المنطقة كما فعلت الدولة في كثير من المناطق التي استولى عليها المسلحون عند تطور وتنامي النزاع المسلح.
ما حصل في غزوة معلولا أن مجموعة مسلحة من "جبهة تحرير القلمون وجبهة النصرة" دخلت البلدة من البوابة الخلفية المتصلة بالطريق المؤدي لمدينة يبرود، مجموعة تشكلت من متمردي يبرود وبعض متمردي حمص (باب عمرو)، ولا نعلم إن كانت الغزوة قد تمت برضى أو عدم رضى هذه المجموعة الصغيرة من "الجيش الحر" المستقرة في فندق السفير، لتعلن هذه المجموعة المسلحة عن "تحرير معلولا" دون مقاومة من أهلها وسكانها المتواجدين بقسمهم الأعظم في دمشق بحكم عملهم وتعليم ابنائهم، وفرار قسم من المقيمين المكون من كبار السن والعجزة ونسائهم خوفاً من القتل أو الترهيب.
عند سماع خبر غزو البلدة من جماعة "جبهة تحرير القلمون وجبهة النصرة" جند الشبان المقيمين في دمشق بعضهم البعض وتوجهوا نحو بلدتهم للدفاع عنها، بعد الحصول على إذن من القوات النظامية التي زودتهم ببعض البنادق الحربية والقليل من الزخائر.
بعزيمة شبابها ومؤازرة القوات النظامية تمت الاستعادة الجزئية لبلدة معلولا، حيث استثمر الإعلام الرسمي هذه الواقعة لينفذ تقاريره المصورة التي بثها معلناً التحرير الكامل والقضاء على جميع المسلحين.
غير أن هذا الإنتصار لم يستمر طويلاً حيث انسحب شبان البلدة بعد نفاذ ذخيرتهم التي لم تتجاوز 70 طلقة لكل مقاتل، مما اضطرهم للإنسحاب بتغطية من القوات النظامية التي رافقتهم في عملية الإنسحاب هذه.
عملية إنسحاب القوات النظامية تبعه عودة المجموعة المسلحة إلى قلب البلدة حيث إحتلت الأزقة والمنازل ومارست أعمال القتل والترهيب على العدد القليل المتبقي من الأهالي محملين البلدة ثلاثة شهداء وعدد لا يستهان به من الجرحى، عمل إرهابي رفع مؤشر التداول الإعلامي العالمي لقضية معلولا إلى مستوى إثارة القضية من جديد على المستوى المحلي والدولي، حدثاً دفع القوات النظامية للعودة ثانية لتدخل البلدة وتعلن عن عملية تحرير جديدة لم تستكمل حتى أيامنا هذه، حيث لا زال المسلحون يسيطرون على قمم الجبال المحيطة بالبلدة وعلى المدخل الخلفي للبلدة وللمنشآت المجاورة له وعلى الطريق المؤدية للبلدات المجاورة.
ما يتم تداوله حول الأهمية العسكرية أن لمعلولا قيمة استراتيجية حيث تعتبر البلدة معبراً للوصول إلى الطريق الدولي دمشق-حمص والذي يبعد عنها نحو 8 كم، مما سيسهل على الجماعات المسلحة السيطرة على المدخل الشمالي للعاصمة دمشق.
ما ينقض هذه النظرية أن هؤلاء المسلحين "جبهة تحرير القلمون" تشكلوا من بعض مقاتلي يبرود وجماعة من مقاتلين باب عمر (حمص) المنضوين تحت لواء جبهة النصرة والذين سبق أن نزحوا إلى يبرود بعد هزيمتهم في حمص، واستقروا في منطقة ريما الواقعة بين يبرود والنبك، منطقة لا تبعد عن الطريق الدولي دمشق-حمص سوى 2 كم.
بالتدقيق تبدو هذه الفرضية العسكرية غير مقنعة لمن يعرف الطبيعة الجغرافية والطبوغرافية لمنطقة معلولا وطول المسافة نسبياً للوصول إليها ولتعزيز قدرات المقاتلين القادمين إليها، أما موضوع السيطرة على الطريق الدولي دمشق-حمص إنطلاقاً من معلولا فلا بد لهذه المجموعة من أن تعبر بلدة عين التينة الكائنة في منطقة سهلية على منتصف المسافة بين معلولا والطريق الدولي، مما سيعرضها لنيران كثيفة وسهلة من القوات النظامية.
كقوة عسكرية مناهضة للنظام تنتمي "جبهة تحرير القلمون" و "جبهة النصرة" في يبرود للتنظيمات المسلحة المنتشرة في حوض بعلبك الهرمل وحوض القلمون المحازي للحدود اللبنانية والتي يقال أنها تؤتمر بإمرة جبهة النصرة، وهذه القوة مستقلة عن تلك الجماعات المنتشرة شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية والحدود العراقية والتي تعمل في دير الزور وحلب وإدلب تحت لواء جبهات أخرى مثل جبهة الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام.
أما القوات النظامية في سوريا فتتشكل من نحو 400 ألف عسكري (الجيش العربي السوري)، يساندها كتلة ضخمة من القوى الأمنية بإختصاصاتها المختلفة إضافة للعدد الهائل من حزبيي السلطة، أما من حيث القوة والعتاد فالقوات النظامية (الجيش العربي السوري) تشكل ما نسبته 1.87% من عدد السكان و 3.15% من حجم القوة البشرية المؤهلة للعمل و 7.4% من حجم القوة العاملة، و يأتي ترتيبها ضمن 214 دولة وماكرو دولة، الثامنة وفق معيار عدد السكان، والرابعة وفق معيار القوة البشرية، والثالثة مباشرة بعد العراق وكوريا الشعبية وفق معيار النسبة لحجم القوة العاملة.
تبلغ ميزانية القوات النظامية (الجيش العربي السوري) نحو 98 مليار ليرة سورية سنوياً حسب النفقات التقديرية الواردة في الموازنة الموحدة لعام 2010، ميزانية تشكل نحو تريليون ليرة سورية من النفقات على الجيش النظامي و 1،5 ترليون ليرة سورية على كامل قاعدة الحكم (من جيش وأجهزة أمنية وحزب) منذ عام 2000 حتى يومنا، هذا الإنفاق على الجيش النظامي يعادل 3.95% من إجمالي الناتج المحلي متخطياً بذلك معدل الإنفاق في كل من روسيا وكوريا الجنوبية ومصر وباكستان.
لفهم اللغز السياسي والعسكري لغزوة معلولا علينا الأخذ بالإعتبار الحقائق العسكرية لكلا الطرفين والإجابة على مجموعة من الأسئلة لعل أهمها: لماذا لم يتم حماية هذا الموقع الستراتيجي من قبل القوات النظامية طوال هذه المدة، ولماذا تركت بوابتها الخلفية 170 يوماً تحت سيطرة هذه المجموعة الصغيرة من "الجيش الحر"؟ وما هي أسباب تحريرها لأيام قلائل على ايدي القوات النظامية ثم إنسحاب هذه القوات تحت مسمى التراجع التكتيكي، ثم العودة في محاولة لتحريرها من جديد بعملية عسكرية لم تكتمل حتى الآن؟ اليس بمستطاع القوات النظامية استخدام عمليات عسكرية شاملة لمحاصرة البلدة ومحيطها الجغرافي لتحريرها بالكامل من القوات الغازية في خطوة متقدمة للسيطرة النهائية على الشريط الحدودي مع لبنان، مصدر خطر وقلق الدولة والقوات النظامية ؟
مع عملية غزو معلولا من مجموعة مسلحة في غزوة لا تخدم أي بعد استراتيجي يساعد الجماعات المسلحة في التقدم وتحقيق مكاسب عسكرية، وأمام الحقائق المادية والعسكرية قضية وطنية تحتاج للنقاش تتعلق بمدى أهلية القيادة السياسية لمعالجة الأزمة الوطنية وكفاءة القوات النظامية وفاعليتها الميدانية، فكيف لنظام يملك هذه القوة الجرارة أن يتنازل عن أراض لتسيطر عليها قوات غير سورية لا تعرف من جغرافيتها شيئاً، ذلك أن ما يقدمه إعلام السلطة ورواده من تفسيرات للتراجعات المستمرة والمتكررة للقوات العسكرية ولغياب الدولة عن هذه المناطق يمكن لأي طفل بسيط تفنيدها والسخرية من جديتها.
مفارقات تدفع للنظر بجدية في قضية البعد الإعلامي الذي تريد السلطة استثماره على المستوى العالمي في مواجهة التهديدات العسكرية التي أعلنت مؤخراً ضد سوريا، وتذكر في ضرورة التدقيق فيما وصلت إليه السلطة من الصفاقة بحيث تستثمر بشكل خبيث البعد المسيحي للتأثير في قرارات عسكرية تعلنها الولايات المتحدة الأميركية في إطار مناخ سياسي لم يعد للإستثمار اللاوطني لمركبات النسيج السوري أي جدوى، وفي وقت يتعرض فيه مسيحيو الشرق لضغوطات خارجية وداخلية لتهجيرهم رغم أنهم لا يفهمون مسيحيتهم إلا من منظور وطني خالص .