يوم 9 أكتوبر 1967 مات تشي غيفارا إذ اغتاله الجيشالبوليفي ومستشارو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA …
وسيكون أكتوبر 1997، الذكرى الثلاثين لاغتياله، مناسبة، في فرنسا وفي غيرها من بقاع العالم، لظهورسير عديدة لحياته وكتب وأفلام وحتى أقراص مدمجة.
هل عاد تشي ليصبح موضة جديدة ؟منذ بضع سنوات عادت صوره للظهور في كل مكان، في الملصقات وفي الحيطان وفي الأقمصةوحتى في جييبات الأقراص المدمجة لمجموعات الغناء الشعبية (Rage against the machine أو Renaud )
يحظى تشي حاليا، بعد ثلاثين سنة من وفاته، بشعبية عالمية لدىالعديد من الشباب. ونجد صورته على صدر شباب كل القارات ( أمريكا اللاتينية وأفريقياوأوربا والولايات المتحدة الأمريكية …)
لا شك ان بقاء صورة جيدة عن تشي لدىالشباب لا يعود إلى سحر عينيه و قبعته، بل إلى كونه رمزا للتمرد ضد ظلم واضطهادالعالم الذي نعيش فيه.
يمثل تشي عن حق صورة ثوري كبير لا تشوبه شبهة أي مسؤوليةعن تلك الكارثة التي شكلتها الستالينية. ربما كانت صورة روبن دو بوا Robin des Bois أحمر هي الجانب الذي يعجب الشباب. على كل حال هذه هي الكيفية التي تعيد بها ذكراهوأفكاره الاعتبار للسياسة في وقت يجردها منه الساسة المحترفون والفاسدون.
منذ تأسيس منظمتنا عام 1966 ونحن نتبنى، إلى جانب أمورأخرى، تشي غيفارا. إنه رمز دورة من التجارب الثورية ألهبت في سنوات 60 و70 بلدانعديدة بأمريكا اللاتينية.
حياة في خدمة الثورة
ولد إرنستو يوم 14 يوليوز 1928 في بيونس ايريسبالأرجنتين. ومراعاة لصحة ابنها المصاب بالربو استقرت أسرته في ألتا غراسيا فيالسيرا دو كوردوبا. وفيها أسس والده لجنة مساندة للجمهورية الإسبانية عام1937, وفي 1944 استقرت الأسرة في بيونس ايريس.
ومن 1945 إلى 1953 أتم إرنيستو بنجاحدراساته الطبية. و بسرعة جعلته صلته بأكثر الناس فقرا وحرمانا وبالمرضى مثلالمصابين بالجذام، وكذا سفره المديد الأول عبر أمريكا اللاتينية، واعيا بالتفاوتالاجتماعي وبالظلم.
الأسفار تكون الشباب … والوعي!
حصل تشي بالكاد على شهادته لما غادر من جديد الأرجنتين نحورحلة جديدة عبر أمريكا اللاتينية. وقد كان عام 1951، خلال رحلته الأولى، قد لاحظبؤس الفلاحين الهنود. كما تبين استغلال العمال في مناجم النحاس بشيلي والتي تملكهاشركات أمريكية. وفي عام 1953 في بوليفيا والبيرو، مرورا بباناما وبلدان أخرى، ناقشمع منفيين سياسيين يساريين من كل مكان تقريبا، ولاسيما مع كاسترويين كوبيين. تسيس،وفي تلك اللحظة قرر فعلا الالتحاق بصفوف الثوريين. واعتبر نفسه آنذاك شيوعيا.
وفي العام 1954 توقف في غواتيمالا التي كانت تشهد غليانا ديمقراطيا في ظل حكومةجاكوب أربنز. وشارك تشي في مقاومة الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الأمريكيةوالذي انهى الإصلاحات الزراعية التي قام بها أربنز، وستطبع هذه التجربة فكرهالسياسي.
التحق آنذاك بالمكسيك. وهناك تعرف في يوليوز 1955 على فيديل كاستروالذي لجأ إلى ميكسيكو بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في سانتياغو دو كوبا. وجنده كاسترو طبيبا في البعثة التي ستحرر كوبا من ديكتاتورية باتيستا. وهناك سميبتشي وهو تعبيير تعجب يستعمله الارجنتينيون عمليا في نهاية كل جملة.
وفي يوينو 1956 سجن تشي في مكسيك مع فيدل كاسترو ومجموعة متمردين كوبيين. واطلق سراحهم بعدشهرين.
1956-1965 الثورة الكوبية
بدءا من 1965 ارتمى تشي مع رفاقه في التحرير الوطنيلكوبا.
المقاتل …
يوم 2 ديسمبر 1956 غادر 82 رجلا السواحل المكسيكية علىظهر الباخرة جرانما وحطوا الرحال بشكل كارثي على سواحل كوبا شرق الجزيرة وتعرضوا فيالحين لمضايقات قوات باتيستا. وبسرعة لم يبق منهم غير 22 رجلا ونجحت المجموعة فيإعادة تنظيم نفسها في السيرا مايسترا وأحرزت نجاحاتها الأولى. وتعزز جيش المتمردينبعد بضع سنوات من المعارك بين عشرات من مقاتلي الغوار (حرب العصابات) و000 40 جندييشكلون جيش باتيستا.
وفي غشت 1958تسلم تشي قيادة كتيبة من 148 مقاتل وانتقل إلى مركز الجزيرة بهدف عزل مدينة سانتاكلارا.
استولت قوات الكوماندانتي تشي غيفارا على المدينة يوم 30 ديسمبر 1958. آنذاك جاء الهجوم الكبير بتقدم كتائب مقاتلي حرب الغوار نحو العاصمة هافانا. وانهارت الديكتاتورية وفر باتيستا من هافانا المشلولة بالإضراب العام: ودخلت قواتتشي و كاميلو سيانفويغوس العاصمة يوم 2 يناير 1959. انه انتصار الثورة الكوبية.
…وقائد الثورةالكوبية
قام تشي بدور متقدم في الحكومة الثورية. وضعت الحكومةإصلاحا زراعيا ونظمت نزع ملكية المنشآت الأمريكية ومصادرة المساكن وتوزيعها. وخصصتالثروات لتلبية الحاجات الاجتماعية. ووضعت برنامج صحة وتعليم لاسيما في مجال محوالأمية.
في نوفمبر 1959 كان تشي اولا رئيسا للبنك الوطني فأصاب الذهول عالمالمالية الدولية (الأوراق النقدية الكوبية موقعة باسم تشي ) وأصبح في فبراير 1961وزيرا للصناعة. فدفع تشي في اتجاه تصنيع عام لكوبا لكن واقع البلد ما كان يتيحالتقدم بالسرعة التي أراد. وكانت مواقفه بصدد التصنيع، وبشكل أعم حول ضرورة تنظيماجتماعي واقتصادي جديد، معروضة في مقالاته خلال السجالات العمومية التي تعارض فيهامع وجهات نظر أخرى قريبة من موسكو. يتعلق الأمر أساسا بخيار سياسي يهم تصنيعالاقتصاد. وعارض غيفارا بوجه خاص عملية دمج الاقتصاد الكوبي في إطار « القسمةالاشتراكية للعمل » المملاة من الاتحاد السوفيتي. وقام تشي بأسفار عديدة ناطقا باسمبلدان العالم الثالث في منظمة الأمم المتحدة ، وشارك في مؤتمر القارة الأمريكية فيبونتا ديل ايستي وفي المؤتمر العالمي للتجارة في جنيف. وزار جزائر بن بلة مراراعديدة وقاد الوفد الكوبي إلى احتفالات الذكرى 47 لثورة أكتوبر. وفي الجزائر مرةأخرى ألقى خطابا أساسيا انتقد فيه صراحة سياسة الاتحاد السوفيتي.
لكن ربما لميرضيه هذا الدور إرضاء تاما.
فبدعوته إلى تضامن كافة المضطهدين في العالم كانينوي المشاركة بنشاط في امتداد الثورة. وغادر كوبا في مارس 1965 متخليا عن كافةمسؤولياته الرسمية.
1965-1967 حياة في خدمة توسعالثورة
في 1965 و1966 سعى تشي إلىالمشاركة في تطور تجارب حرب غوار في افريقيا السوداء، في الكونغو البلجيكي(زايير). ومر بسان دومينغ ليلتحق فيما بعد ببوليفيا في نوفمبر 1966. وظهرت نوات مقاتلي حربغوار في منطقة ناشواسو.
قام تشي بإسقاط النموذج الكوبي على نطاق الكوكب: ستصبحسلسلة جبال الأنديز بمثابة سيرا مايسترا أمريكا اللاتينية. وسرعان ما تعرضت تلكالنواة لمطاردة من قوات مسلحة عديدة وتم عزلها بسرعة. وبقيت المجموعة في ظروف صعبةبعد امتناع الحزب الشيوعي البوليفي عن مساندتها. وخلال مواجهة يوم 8 أكتوبر 1967جرح تشي واعتقل مع اغلب رفاقه. وفي اليوم الموالي تم إعدامه بضغط من المخابراتالأمريكية .
ومن موته ولدت أسطورة من وضع حياته في خدمة وبين يدي الثورة لأجلالقضاء على كل أشكال الظلم.
واصبح وجهه رمزا للتمرد في كل مكان بالعالم. وُتستوحى من تشي صورة مقاتل حرب الغوار ذي اللحية والقبعة أكثر مما ُتستوحى أفكارهوكتاباته. ومع ذلك لم يستعمل تشي يديه لحمل السلاح فقط بل أيضا لنقل أفكاره إلىالورق.
فكر تشي غيفارا السياسي
الثورة
كانت الماركسية بنظر تشي نظرية للعمل الثوري قبل كلشيء. وقد تبنى فكرة ماركس: لا يكفي تفسير العالم بل يجب تغييره. وكان يعتبر، مستنداإلى لينين، إن دور الثوريين هو المساهمة في خلق شروط الاستيلاء الثوري على السلطة،وهذه هي الفكرة التي نجد عند تشي بصدد دور حرب الغوار.
فبنظره لا يمكن قضاءالوقت في انتظار استيفاء شروط الاستيلاء على السلطة كما كانت تفعل غالبية الأحزابالشيوعية بأمريكا اللاتينية، بل تجب المساعدة على خلق شروط الثورة. ولا يعني هذابأي وجه أن لتشي تصور إرادوي صرف للعمل الثوري لا يأخذ بالحسبان الشروط الاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية في المجتمع، بل طور فكرة استحالة تطور الثورة دون فعلالمنظمات الثورية والجماهير. وقد كان هذا التصور في قطيعة تامة مع تصورات غالبيةمنظمات اليسار التقليدي بأمريكا اللاتينية آنذاك، ولا سيما الأحزاب الشيوعية التيكان لها تصور للثورة على مراحل وكانت تنتظر يوم تستوفى فيه الشروط لطرح مشكلالاستيلاء الثوري على السلطة. بهذا المعنى يتعين فهم جملة تشي:« واجب كل ثوري ان يقوم بالثورة ». وتبنى تشي فكرة ماركس التيمؤداها أن تاريخ البشرية يتميز بكون البشر أنفسهم صانعيه وأن الثورة الاشتراكية هيبداية صنعه بوعي. ومن جهة أخرى يتعذر تحقيق الثورة والاشتراكية، بنظر تشي، دونتعبئة شعبية وليس فقط بطليعة ثورية تستولي على السلطة وتبني مجتمعا اكثر إنسانية. فبرأيه يستحيل أي تغيير حقيقي للمجتمع دون تدخل الجماهير. وتبنى صيغة تحرر العمالمن صنع العمال أنفسهم. وسيكون كامل نشاط تشي الثوري موجها بهذا الفكر السياسي التييمثل قطيعة مع التصورات القائمة في الحركة العمالية بأمريكا اللاتينية آنذاك.
يكمن تفسير تطور فكر تشي السياسي جزئيا في الأسفار التي قام بها في أمريكااللاتينية بين 1951 و1956. وكانت إقامته في غواتيمالا هامة من زاوية النظر هذه. فهناك شهد كيف تمت إطاحة حكومة البلد التي حاولت تطوير إصلاحا زراعيا، وذلك بتدخلعسكري مدعوم من الولايات المتحدة ومن جيش غواتيمالا. ويؤكد هذا أن الوصول إلى الحكمدون الإطاحة بالمجتمع القديم محكوم بالفشل. ليس التصور القائم على تحويل إصلاحيللمجتمع غير أوهام بنظره، فالقطيعة الشاملة، والثورية بالضرورة، مع النظامالاجتماعي القديم، هي التي تجعل تغييرا حقيقيا للمجتمع أمرا ممكنا.. وبعد بضع سنواتمن موت تشي كان المثال الشيلي هو أيضا منيرا.
فحكومة أليندي،الذي وصل إلىالسلطة بالطريق الانتخابي ، حاولت القيام بإصلاحات اجتماعية هامة لكن دون استنادفعلي إلى الجماهير الشعبية ودون تدمير جهاز الدولة القديم، أطيح بها بانقلاببينوشيه سنة 1973 ، وهو الانقلاب الذي دعمته ومولته وسلحته كبريات التروستاتالأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية.
أخيرا، لأجل فهم التصور الذي طوره تشيلثورتهم يجب إدراك أنه كان ذي رؤية واضحة لمكانة البرجوازية في بلدان أمريكااللاتينية. وكانت الأحزاب الشيوعية آنذاك تدافع عن وجوب قيام البرجوازية الوطنيةبالثورة وتطوير البلد مثل البرجوازية الفرنسية في 1789 قبل وضع الثورة الاشتراكيةعلى جدول الأعمال. أدرك تشي استحالة الدفاع عن هذه الرؤية الميكانيكية للثورة. فبرجوازية البلدان الخاضعة للسيطرة اختارت بشكل ممنهج الارتباط بمصالح الإمبريالية،و كانت ضد أي ثورة خوفا من ثورة شعبية تقوم بإصلاح زراعي وتمس المصالح الاقتصاديةللإمبريالية عبر تأميمات. بفعل عجزها عن تطوير ثورة ديمقراطية، الناتج عن كونهاتابعة، وخشيتها من ثورة ديمقراطية تمس مصالحها، لا تقوم برجوازية البلدان التابعةباي دور ثوري، لا بل هي تعارض الثورة. لذا لا يمكن، بنظر تشي، الوصول إلى إصلاحزراعي جذري وإلى النضال الفعال ضد الإمبريالية وتدخلها بأمريكا اللاتينية ولأجلالخروج من التخلف، إلا بالاستناد على الجماهير الشعبية، لاسيما الفلاحين الفقراءوالسير نحو ثورة اشتراكية. وهنا أيضا كان مثال الثورة الكوبية هو المغذي لفكر تشي. إذ واجهت هذه الثورة مجموع هذه المسائل فيما بين استيلاء الثوريين على السلطة سنة 1959 وسياسة التغييرات الاجتماعية التي طبقت فيما بعد وإعلان الطابع الاشتراكيللثورة عام 1961. ومن هنا انطرحت بالنسبة لتشي ضرورة ثورة اشتراكية على صعيد قارةأمريكا اللاتينية برمتها ومجموع العالم الثالث بوجه عام. يلتقي هذا التصور إلى حدكبير مع ذاك الذي دافع عنه تروتسكي والتروتسكيون ومؤداه ان مهام الثورة الديمقراطيةبالبلدان التابعة هي على كاهل الجماهير العمالية والفلاحية نفسها لأن البرجوازية،المستندة إلى الإمبريالية، لا تسير بها إلى النجاح. وعلى هذا النحو يتعين أن تكونالثورة دائمة وليست عبر مراحل بحيث تشكل الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكيةسيرورة واحدة.
نظرية عن حربالغوار
كان تشي مقتنعا بحتمية النضالالمسلح. وكان يدرك أن ثورة إشتراكية، أي ثورة تضع موضع الاتهام مصالح الطبقاتالحاكمة وسلطتها، لن تنتصر سوى بمواجهة جهاز الدولة القديم وتدميره. وسيكون وهماالإعتقاد أن الطبقات الحاكمة ستترك السلطة تفلت منها دون رد فعل. يتعين إذن علىالثورة أن تكون قادرة على الظفر عسكريا أيضا. علاوة على أن التاريخ أبرز مراراعديدة، في أمريكا اللاتينية، أن الجيش الوطني والقوى الامبريالية قد تتدخل لسحقالحركات الشعبية، وصولا حتى إلى فرض ديكتاتورية عسكرية. ومن جهة أخرى خبَر غيفاراذلك غداة إنزال وحدات من أتباع الديكتاتور السابق باتيستا، الذين سلحتهم الولاياتالمتحدة الأمريكية ودربتهم وأطرتهم، في Playa Gijon قصد إطاحة حكومة كاسترو فيأبريل 1961. وقد كان ما كسب تشي من تجربة خلال رحلاته في قارة أمريكا اللاتينيةبرمتها حاسما ومفيدا في النظر الى النضال الثوري بما هو نضال مسلح ايضا.
سوفيضع تشي، انطلاقا من تصوراته السياسية ومن دراسة حركات حرب غوار أخرى بالعالم،نظريته الخاصة بحرب الغوار. وهي ترتكز على فكرة أن جماهير الفلاحين المستغَلين هيمن يشكل في نفس الوقت حلقة المجتمع الضعيفة وقطاع السكان الذي يتعين على الحركاتالثورية الاعتماد عليه. ومن جهة أخرى، يعتبر من زاوية نظر الاستراتيجية العسكرية،أن القرى تقدم للثوريين مجالا ملائما (إمكانية إيجاد مخابىء، والانسحاب بعيدا عنمنال قوى القمع...) . ولا يمكن بنظره أن تحدث الثورة إلا إذا اجتمعت شروط عديدة،ألا وهي سياق سياسي واجتماعي ملائم، ووعي الجماهير بإمكانية التغيير و توقها إليه. أي أنه لا يعتبر حرب الغوار كفيلة وحدها بانتصار الثورة. كان تشي يرى أن تطور حربغوار في وسط ملائم يتيح ظهور شروط الإنتصار الثوري. إنها تقوم بدور حافز لتناقضاتالمجتمع بكشفها للطبيعة الحقيقية للسلطة وإمكانية النضال ضدها بفعالية.
لم يكنتشي يرى في حرب الغوار هذه طليعة تناضل منعزلة عن الجماهير. بالعكس يتوجب عليهاالاستناد على هذه الأخيرة، والظهور بمثابة المعبر عن نضالها الطبقي، واستقطابمقاتلين منها. تمثل حرب الغوار استمرارا مسلحا لنضال سياسي في المقام الأول.إندورها إذن سياسي بقدر ما هو عسكري، وتقوم فضلا عن عمل الدعاوة الكلاسيكي، بالدعاوةبالأفعال بإبراز عدم استقرار السلطة القائمة وباتخاذ تدابير ثورية في المناطق التييتحكم بها مناضلو حرب الغوار (نزع ملكية ، وتوزيع الأراضي على الفلاحين ،وتنظيمتعاونيات وبناء سلطة أخرى...). وتدريجيا تؤسس وضع سلطة مزدوجة بظهورها كسلطة بديلةعن السلطة القائمة. وللعلاقة التي تقيمها مع الفلاحين معنى مزدوج لأنها تتعلموتتكيف مع الوضع الحقيقي ومع مطالب الفلاحين. وعلى هذا النحو تميل أكثر فأكثر إلىتشكيل جسم واحد مع جماهير الفلاحين.
كان تشي فضلا عن ذلك واعيا بالدور الذييتعين على قطاعات المجتمع الأخرى أن تقوم به. وكان يدرك بوجه خاص أن على الطبقةالعاملة أن تلعب دورا مركزيا في النضال الثوري. وهكذا فإن تنسيقا بين مقاتلي حربالغوار والطبقة العاملة ضروري و يتيح معا إطاحة النظام و توحيد مجموع الفئاتالشعبية في النضال الثوري ( مثال فيتنام ). و للإضراب العام في وجهة النظر تلك دورمركزي. و كان نموذج الثورة الكوبية حاسما بالطبع، إذ أن الضربة القاضية على نظامباتيستا جاءت من الإضراب العام في فاتح يناير 1959.
المبدأ الأممي
لا يمكن فهم أممية تشي سوى على ضوء إنسانيته الثورية. فهو يرى أن وحدة مصالح المستغَلين في بقاع الأرض واقع له نتائج سياسية ملموسة. وكانيعرِف الأممي الحقيقي بما هو القادر على « إحساس القلق كلمااغتيل إنسان في مكان ما في العالم و التحمس كلما رفعت راية حرية جديدة في مكانما » وبما هو الذي يحس « بكل اعتداء ، وكل إهانة لشرفالإنسان وسعادته، بصفتهما إهانة لشخصه أيا كان موقع حدوثهما بالعالم ». وينبغي ممارسة هذا المبدأ الأممي وتطويره عبر تضامن ملموس بين الشعوب المناضلة ضدالإمبريالية وعبر مساعدة اقتصادية وعسكرية من البلدان الاشتراكية للشعوب السائرةإلى تحررها. وأوضح في « خطاب الجزائر» (فبراير 1965) كيف ينبغي على البلدانالاشتراكية ألا تقيم علاقات اقتصادية مع بلدان العالم الثالث على قاعدة علاقاتتبادل لامتكافئة قائمة على قانون القيمة. غير أن ذلك ما حدث، لاسيما في كوبا، فيإطار « قسمة العمل الاشتراكية » التي نظمها الكوميكون. كانت البلدان الاشتراكيةالمصنعة، لاسيما الإتحاد السوفيتي، تقيم علاقات تبعية اقتصادية قوية إزاء شركائها. وكان ستالين ينهج تلك السياسة بهدف تطوير تبعية البلدان الاشتراكية «للرفيق الأكبر» السوفيتي. وتدفع كوبا اليوم غاليا عواقب تلك السياسة.
وانطلاقا من أزمة الصواريخعام 1962 بوجه خاص، لما كان خطر تدخل أمريكي في كوبا داهما، اقتنع تشي أن الولاياتالمتحدة الأمريكية سوف تتدخل ضد كل ثورة في أمريكا اللاتينية. فطور انطلاقا من ذلكفكرة تضامن أممي وتصد منظم على مستوى أمريكا اللاتينية ضد الإمبريالية الأمريكية. وكان كذلك معنى التزامه في حرب الغوار ببوليفيا سنة 1967 التي اعتبرها نقطة انطلاقثورة على صعيد القارة. ولكن سرعان ما امتد تصوره للمبدأ الأممي إلى المستوى العالمي، وبوجه خاص مع مسألة دعم نضال الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية، لاسيمالحظة تشديد هذه الأخيرة تدخلها العسكري. وطور تحليله سنة 1967 في رسالة إلى منظمةالقارات الثلاث Tricontinentale حيث أوضح أن تدخل الإمبريالية في كل مكان بالعالميستدعي تصديا من الثوريين في نفس المستوى، ليس عبر مساعدة الدول الاشتراكية للشعوبالمناضلة وحسب، بل عبر تضامن أممي بين الشعوب التي عليها واجب محاربة الإمبرياليةفي أي مكان قصد إضعافها. كان تشي يرى وجوب مساعدة فعالة لفيتنام طليعة النضالالمناهض للإمبريالية. وصرح في مؤتمر ما بين القاراتIntercontinentale « فيتنام، فيتنامان، ثلاث فيتنامات،فيتنامات عديدة ذاك ما يحتاجه العالم !». والهدف إرغام الإمبريالية علىتشتيت قواها وعلى هذا النحو مساعدة نضال الشعب الفيتنامي بشكل ملموس. كان تشي يعيدالارتباط عبر هذا التصور الأممي مع الأهداف الأولى للأممية الشيوعية قبل أن تغدوأداة في خدمة سياسة الإتحاد السوفيتي الخارجية. وقد طبق تصوره بالدفع بحرب الغوارببوليفيا وبالمشاركة فيها، حيث كانت أحد أهدافها فتح جبهة جديدة ضد الإمبريالية.
وبعيدا عن منظور عالم- ثالثي محض للمبدأ الأممي، كان لدى تشي تصور مرتبط بتصورالصراع الطبقي على المستوى العالمي، حيث كان يرى أن المواجهة بين البروليتارياوالبرجوازية على الصعيد العالمي هي المحددة، وأن تضامنا بين بروليتاريا مختلفالبلدان ضروري، بما في ذلك بين بروليتاريا بلدان المتروبول الإمبريالية وبروليتاريابلدان العالم الثالث. على هذا النحو كان يتصور الثورة العالمية وإقامة الشيوعيةالتي لن تتحقق سوى على الصعيد العالمي. هكذا كان يعيد الصلة مع التصور الحقيقيلأممية الحركة العمالية.
فكر تشي الاقتصادي
بعد الثورة الكوبية، انطرحت مسألة تحقيق الاشتراكيةوإلاجراءات الاقتصادية اللازمة لبلوغها. و شارك تشي مباشرة في ذلك النقاش (كانحينئذ رئيس البنك الوطني ووزير الصناعة ). وتشكل فكره خلال النقاش الاقتصادي الذيشهدته كوبا عامي 1963 و1964. تناول ذلك النقاش المشاكل الاقتصادية بكوبا وكذلكمسائل ذات طابع نظري أكثر مرتبطة بتصور الاشتراكية. ودافع تشي عن تصوراته ضد الذينيدافعون عن النموذج السوفيتي.
وهنا انتسب تشي مرة أخرى إلى أفكار لينين. وتمثلالعنصر المحدد بنظره بخصوص كوبا في كون الثورة الاشتراكية انتصرت في بلد متخلف. ثمةإذا تناقض بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة في طور الانتقال إلى الاشتراكية. أيأنه يمكن اتخاذ إجراءات ملموسة وبرغماتية على المستوى الاقتصادي للتقدم نحو مجتمعإشتراكي. وبذلك يرفض كل تصور ميكانيكي أو دوغمائي للفكر الاقتصادي الماركسي، معتبراأن مقاربة ديالكتيكية للمسألة ( تفاوت علاقات الإنتاج والقوى المنتجة ) وحدها قادرةعلى تحديد السياسة الاقتصادية.
يتمحور فكر تشي الاقتصادي حول فكرة وجوب ميلالتدابير المتخدة على الصعيد الاقتصادي، خلال المرحلة الانتقالية، إلى تجاوزالرأسمالية و التقدم نحو مجتمع اشتراكي. بعد قول هذا كان واعيا أن هذا التغييريتطلب وقتا وأن بعض عناصر الاقتصاد الرأسمالي ستظل حاضرة خلال مرحلة بكاملها. وهكذالا يمكن لقانون القيمة الذي ينظم إشتغال السوق في النظام الرأسمالي أن يزول فورا،ولكن يجب أن تميل السياسة الاقتصادية المطبقة إلى إزالة علاقات اقتصاد السوق. كانيرى في مسألة التخطيط مسألة رئيسية. إذ أنها تمثل التدخل الواعي للإنسان في تدبيرالاقتصاد وتضع أسس مجتمع اشتراكي. وعلاوة على ذلك، يميز تشي بين التخطيط الممركزوالتخطيط البيروقراطي المطبق بالاتحاد السوفيتي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ، منوجهة نظر عالمية،كان تشي ضد تصور التخطيط الاشتراكي الذي دافع عنه الاتحاد السوفيتيبهدف تطوير تبعية كوبا، كالبلدان الأخرى « السائرة في فلكه» ، إزاء « الشقيق الأكبر » السوفيتي. إن مسألة الرقابة الديموقراطية، تلك المسألة الأساسية للانتقال إلىاقتصاد اشتراكي مسير ذاتيا، هي التي في الرهان. يوضح هذا الوجه من فكر تشي مواقفهبصدد الجزائر التي كانت، من نواح عديدة في وضع مماثل.
في تلك المرحلة، شاركإرنست ماندل، أحد أبرز قادة الأممية الرابعة، في النقاش الاقتصادي، مدافعا عن تصورلمرحلة الانتقال إلى الاشتراكية قريب من تصور تشي. أما في ما يتعلق بمسائلالميزانية وتمويل الأنشطة الاقتصادية، فقد كان تشي يتصورها في إطار التخطيط وعبرتدبير اقتصادي مراقب من هيئات مركزية.
الإنسانالجديد
كان تشي يقول: « من أجل بناءالشيوعية يجب تغيير الإنسان و القاعدة الاقتصادية ». ُطرحت خلال النقاشالاقتصادي في كوبا مسألة حفز البشر إلى النشاط الاقتصادي. و تواجه تصوران : تصورالحوافز المادية وتصور الحوافز المعنوية. وكان تشي معارضا للتصور الذي يعتبرالحوافز المادية ضرورية لإتاحة مستوى نمو اقتصادي من شأنه القضاءعلى أشكال السلوك الفردي القائمة في ظل الرأسمالية. و جلي بنظره أن تغيير السلوكالإنساني لا يصبح واقعا بين عشية وضحاها، بل لا بد من ارتباطه بالتغييرات البنيويةفي المجتمع. وهكذا قد يتيح التعليم ومشاركة الجماهير في الحياة الاقتصاديةوالسياسية والاجتماعية... تغيير سلوك الأفراد. كان واجبا إذن تأسيس مشاركة الناس فيالنشاط الاقتصادي إلى ابعد حد على حوافز معنوية، أي على مشاركة حقيقية في القراراتوفي التسيير الاقتصادي وعلى تطوير الوعي السياسي. وفي هذا الإطار يندرج، بنظر تشي،العمل التطوعي. إذ يرى فيه أولى الخطوات نحو مستقبل العمل في ظل الشيوعية. إنهمشاركة العمال الواعية في بناء الاشتراكية، ويجب أن يلغي فصل العمل اليدوي عن العملالذهني. وهنا أيضا توجد مسألة الرقابة الديموقراطية على سيرورة التغيير الاقتصادي،في صلب النقاش.
راهنية فكر تشي وحدوده
تتبنى منظمتنا السياسية أفكار تشي غيفارا. أولا، لأنهكان يرى في الثورة ، دون غيرها ، سبيل القضاء على البؤس والمعاناة والاستغلال. واليوم أيضا كيف يمكن الاعتقاد بإمكان خلاص، بالشمال كما بالجنوب، دون انتزاعبالقوة لسلطة هذه الأقلية التي تسبب معاناة غالبية السكان كل يوم. تعيش تلك الأقليةعيشة باذخة بفضل بؤس الآخرين وبطالتهم وتغتني على ظهر ملايين الأشخاص الذين يموتونجوعا.... كان تشي يري أن تغييرا شاملا هو الكفيل بوضع حد لحكم تلك الأقلية. ومازالحكمها مستمرا حتى الآن، مما يثبت أن فكر تشي ملائم وراهني.
شيوعي ثوري
وعلاوة على ذلك خلف تشي، بفعل عدم تبنيه برنامج موسكو،صورة شيوعي ثوري حقيقي نجح، في سنوات 60، في رد الاعتبار لمنظور مجتمع اشتراكي،وديموقراطي مسير ذاتيا، ومتحرر من ظل الستالينية.
لقد نجح تشي، بمثاله الخاص وبأفكاره، في تحديد أعباء عديدة تنيخ بثقلها على الحركة الشيوعية منذ سنوات 30، كثقلالبيروقراطية أو التخلي عن مشروع ثوري أممي حقيقي. ونجح تشي، من زاوية النظر هذه ،في فتح ثغرة في طوق الستالينية الحديدي.
غير أن حصيلة تجربته الخاصة، تبرز بخصوصهاذين الأمرين على سبيل المثال، حدود إقتراحاته لإيجاد أجوبة لذلك النوع منالمسائل.
حدود تصوره الغواريللثورة
شكل امتداد الثورة إحدى اهتمامات تشي الكبرى. وتشكلحياته الخاصة مثالا لذلك. كان يرى أن مصير الثورة في بلد ما مرتبط بمصير الثورةالعالمية. فلا يمكن لشعب أن يتحرر كليا إذا بقي شعب آخر مضطهدا في بلد آخر. وتؤكدالصعوبات التي اعترضت كوبا منذ الثورة صواب رأيه.
يتصور تشي امتداد الثورة تصورهللثورة نفسها أي على النمط الغواري. فبنظره يجب على نواة من مناضلي حرب الغوار انتشن هجوما عسكريا ضد الجيش وأن تستقطب مناضلين بقدر تنامي تأثيرها حتى النصرالنهائي. ترتكز نظريته على تصور عسكروي للغاية لنواة حرب الغوار هذه، المشكلة وفقنظام حياة وأخلاق خاصين. فقد كان يؤكد وجوب أن يولد « الإنسان الجديد » في الجبالعند مناضلي حرب الغوار. .
وطور تشي بالتعميم نظرية « بؤر» حرب الغوار، التيعليها أن تشعل نار الثورة بأمريكا اللاتينية، على صورة ما حدث خلال الثورة الكوبية.
ونحن لا نعارض مبدئيا هكذا تصور للثورة. إذ ساندنا نحن الشبيبة الشيوعيةالثورية والتيار العالمي الذي ننتمي إليه، أي الأممية الرابعة، مساندة نشيطة أحياناالعديد من حروب الغوار. ولكننا نعتقد أن تلك الأطروحة محدودة، وفي كل حال غير كافيةلرفعها إلى مقام نظرية عامة تتيح نجاح سيرورة ثورية.
نحن نؤمن بالنضال النشيطباتجاه الجماهير وداخلها، انطلاقا من مستوى وعيها وكفاحيتها الفعلية لأجل السعي إلىارتقائها إلى درجة تقرر فيها الجماهير نفسها حمل السلاح والاستيلاء على السلطة بوجهقمع قوى الدولة.
يستلزم ذلك العمل سياسيا في المصانع والأحياء والقرى لاقتراححلول لشرور المجتمع عبر مطالب وأساليب نضال. وفي تلك النضالات، سوف تغدو ضرورةالتنظيم والنضال معا وتغيير المجتمع أكثر وضوحا... وكذلك الجرأة وفائدة التسلحوالدفاع عن النفس.
يتمثل بنظرنا الخطر الرئيس المحدق بنواة حرب غوار، ُيراد أنتكون انطلاقا من الجبل نقطة الارتكاز الرئيسية لامتداد الثورة، في انعزالها عن بقيةالمجتمع، أي عن عمال المدن والشباب... وقيامها مقام نضالات الجماهير نفسها. ونحننعتبر فكرة «تحرر الجماهير سيكون من صنعها الجماهير نفسها » العنصر المركزي لكلإستراتيجية ثورية. ومن وجهة نظر هذه، ليست بعض حركات حرب الغوار أو النضال المسلحسوى كاريكاتورا مأسويا للانحراف الذي قد تشكله نظرية كفاح مسلح تخوضه نواة ثوريينعازمين. هذا ما يوجب على الثوريين المشاركة، مع الجماهير، في بناء أدوات النضال (جمعيات ونقابات وأحزاب..). ونعتقد من جهتنا أن بناء حزب ثوري ذي نفوذ جماهيري،منغرس بين الفلاحين والعمال والنساء والشباب والمهاجرين، هو الكفيل بربط حركةالجماهير نفسها بأهداف الثورة.
لقد ظفرتالثورة الكوبية لأن المدن انتفضت خلال إضرابات عامة. لكن الثورة فشلت في بوليفياعام 1967، لأن مجموعة تشي من مناضلي حرب الغوار ( نحو عشرين شخصا ) وجدت نفسهامنعزلة في مناطق قروية خالية بعيدا عن المراكز الصناعية الكبرى.لم يتحقق الارتباط،لاسيما في غياب حزب ثوري متصل ببنيات التنظيم الذاتي .
حدود « برنامج» تشي المناهضللبيروقراطية
كان تشي مناهضا للبيروقراطية بشكل «عفوي». فعندما كانفي حكومة كوبا الثورية، كتب وناضل ضد كل أشكال الامتيازات للذين يتقلدون مسؤولياتفي الحزب أو في الدولة أو في المنشآت.
يؤمن تشي بمسؤولية القادة الشخصية في تجنبأشكال الانحراف المؤدية إلى احتكار السلطة السياسية بيد أقلية و أعطى بنفسه مثالالا مأخذ عليه. وللأسف ليست إرادة تعيين « أكثر العناصر الثورية إخلاصا ونزاهة » فيتلك الوظائف ضمانة بحد ذاتها. فحتى أفضل تلك العناصر قد يُفسد لاسيما في وضعالحاجة.
إننا نرى أن المطلوب هو ضمانات سياسية غير فردية، أي رقابة ديموقراطيةدائمة على هيئات القيادة على جميع المستويات عبر:
انتخاب منتظم للمسؤولينالقابلين للعزل في كل لحظة أمام الجماهير.
بناء تنظيم شعبي دائم عبر لجان ومجالس مستقلة، فيالأحياء والقرى والمصانع والمؤسسات العمومية.
. ضمان الحريات الديموقراطية: حقالتعبير ( الشفهي والكتابي ) وحق التنظيم وتكوين نقابات وأحزاب.
وحتى في المجالالاقتصادي، ليس بالضرورة من ُيعتقد أنهم « الأفضل» لاتخاذ القرار أفضل بالفعل. ففيكوبا اتخذ « الاختصاصيون » قرارات بشأن الزراعة ( اختصاص قصب السكر أي أكثرالزراعات انتشارا بكوبا ) دون استشارة الفلاحين. ونتج عن ذلك إنهاك التربة وإضعافمعنويات الفلاحين، وحذرهم من السلطات... تتمثل الضمانة الوحيدة ،من وجهة نظرالتنمية، في مشاركة الجماهير الديموقراطية في الاختيارات السياسية والاقتصادية.
بعد 30 سنة، من اجل استمرار الحلم!
بعد ثلاثين سنة من اغتيال تشي، مازالت الرأسمالية معموكب بؤسها وعنصريتها وحربها حية. ويواصل أشخاص النضال في في عالم المجانين هذا،حيث كل شيء يدور بالمقلوب، و حيث تملك 300 عائلة تقريبا 80% من ثروات العالم. وبعدانهيار جدار برلين، وبينما يسعى أناس «عاقلون جدا » إلى فرض الرأسمالية وشريعةالغاب، كأفق مستحيل التجاوز، تظهر من جديد نضالات فاتحة ثغرة في تلك السيرورة التيتقود العالم إلى الكارثة. ومن بين أولئك المناضلين الذين يواجهون النيوليبراليةالظافرة، نجد عدة حركات منتسبة دوما إلى تشي..
لقد أضاءتالحركة الزاباتية بإقليم تشاباس بالمكسيك وميض أمل يشبت به العديد من المضطهَدين فيبقاع العالم، بحملها السلاح للتخلص من البؤس وديكتاتورية الحزب الثوري المؤسسيالمكسيكي PRI. وعلى طريق كفاح تشي، يطرح الزاباتيون من جديد مسألة حرب الغواروالنضال لتغيير المجتمع، والسعي نحو استخلاص الدروس من التجارب السابقة وإعادةتجديد الكفاح المسلح، وفقا لوضع سياسي جديد.
ومنذ سنوات عديدة يتعبأ الفلاحونعديمو الأرض بالبرازيل، ويواجهون البوليس والجيش للاستيلاء على أراضي كبار ملاكيالأراضي.
وفي السنة الماضية، قامت الحركة الثورية لتوباك أمارو MRTA بحجز مسؤليننهبوا البيرو كرهائن في سفارة.
بعد ثلاثين عاما، ترك لنا تشي أفكاره وكفاحه، فيسياق جديد. ومازالت صورته تتيح لنا الحفاظ على فكرة إمكانية النضال من أجل مجتمعآخر غير النظام الرأسمالي الحالي.
وفي فرنسا تسعى الليبرالية إلى فرض نفسهاعلينا وها هي البطالة والهشاشة في الموعد. إنه الوجه الحديث لاستغلال الشباب. وبوجهأنصار هذا « الفكر الوحيد» يجب القيام ب ديسمبر 1995 [2] جديد وتحرك « كلنا معا » جديد، يكون ظافرا هذه المرةحيث يفرض الشباب وكل أجراء القطاع الخاص والقطاع العام حقوقهمومطالبهم.
سيعتبرنا أنصار شريعة الأقوى والربح الأقصى مجرد حالمين. ربما! لكننا،بوجه الواقعية الحالية ليسار مزيف، سنواصل بإصرار رفع شعار تشي « لنكن واقعيين، لنطالب بالمستحيل !» لأن ما هو واقعي في هذاالمجتمع، و ضروري لنا، مستحيل قبوله من طرف المسيطرين. إن ما لا غنى عنه حاليا هوإعادة بناء مشروع ثوري مكيف مع حقبة شهدت فشل البلدان الشرقية. ويجب علينا، ونحننواصل تبني أفكار تشي، أن نساهم في إعادة ابتكار وإعادة بناء مشروع اشتراكي لتغييرالمجتمع !
ونستمر اليوم في الحلم مع الزاباتيين وآخرين عديدين، بأن شيئا آخرغير الكابوس الحالي ممكن، ونستمر في النضال في ذلك الاتجاه يوميا!
وسيكون أكتوبر 1997، الذكرى الثلاثين لاغتياله، مناسبة، في فرنسا وفي غيرها من بقاع العالم، لظهورسير عديدة لحياته وكتب وأفلام وحتى أقراص مدمجة.
هل عاد تشي ليصبح موضة جديدة ؟منذ بضع سنوات عادت صوره للظهور في كل مكان، في الملصقات وفي الحيطان وفي الأقمصةوحتى في جييبات الأقراص المدمجة لمجموعات الغناء الشعبية (Rage against the machine أو Renaud )
يحظى تشي حاليا، بعد ثلاثين سنة من وفاته، بشعبية عالمية لدىالعديد من الشباب. ونجد صورته على صدر شباب كل القارات ( أمريكا اللاتينية وأفريقياوأوربا والولايات المتحدة الأمريكية …)
لا شك ان بقاء صورة جيدة عن تشي لدىالشباب لا يعود إلى سحر عينيه و قبعته، بل إلى كونه رمزا للتمرد ضد ظلم واضطهادالعالم الذي نعيش فيه.
يمثل تشي عن حق صورة ثوري كبير لا تشوبه شبهة أي مسؤوليةعن تلك الكارثة التي شكلتها الستالينية. ربما كانت صورة روبن دو بوا Robin des Bois أحمر هي الجانب الذي يعجب الشباب. على كل حال هذه هي الكيفية التي تعيد بها ذكراهوأفكاره الاعتبار للسياسة في وقت يجردها منه الساسة المحترفون والفاسدون.
منذ تأسيس منظمتنا عام 1966 ونحن نتبنى، إلى جانب أمورأخرى، تشي غيفارا. إنه رمز دورة من التجارب الثورية ألهبت في سنوات 60 و70 بلدانعديدة بأمريكا اللاتينية.
حياة في خدمة الثورة
ولد إرنستو يوم 14 يوليوز 1928 في بيونس ايريسبالأرجنتين. ومراعاة لصحة ابنها المصاب بالربو استقرت أسرته في ألتا غراسيا فيالسيرا دو كوردوبا. وفيها أسس والده لجنة مساندة للجمهورية الإسبانية عام1937, وفي 1944 استقرت الأسرة في بيونس ايريس.
ومن 1945 إلى 1953 أتم إرنيستو بنجاحدراساته الطبية. و بسرعة جعلته صلته بأكثر الناس فقرا وحرمانا وبالمرضى مثلالمصابين بالجذام، وكذا سفره المديد الأول عبر أمريكا اللاتينية، واعيا بالتفاوتالاجتماعي وبالظلم.
الأسفار تكون الشباب … والوعي!
حصل تشي بالكاد على شهادته لما غادر من جديد الأرجنتين نحورحلة جديدة عبر أمريكا اللاتينية. وقد كان عام 1951، خلال رحلته الأولى، قد لاحظبؤس الفلاحين الهنود. كما تبين استغلال العمال في مناجم النحاس بشيلي والتي تملكهاشركات أمريكية. وفي عام 1953 في بوليفيا والبيرو، مرورا بباناما وبلدان أخرى، ناقشمع منفيين سياسيين يساريين من كل مكان تقريبا، ولاسيما مع كاسترويين كوبيين. تسيس،وفي تلك اللحظة قرر فعلا الالتحاق بصفوف الثوريين. واعتبر نفسه آنذاك شيوعيا.
وفي العام 1954 توقف في غواتيمالا التي كانت تشهد غليانا ديمقراطيا في ظل حكومةجاكوب أربنز. وشارك تشي في مقاومة الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الأمريكيةوالذي انهى الإصلاحات الزراعية التي قام بها أربنز، وستطبع هذه التجربة فكرهالسياسي.
التحق آنذاك بالمكسيك. وهناك تعرف في يوليوز 1955 على فيديل كاستروالذي لجأ إلى ميكسيكو بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في سانتياغو دو كوبا. وجنده كاسترو طبيبا في البعثة التي ستحرر كوبا من ديكتاتورية باتيستا. وهناك سميبتشي وهو تعبيير تعجب يستعمله الارجنتينيون عمليا في نهاية كل جملة.
وفي يوينو 1956 سجن تشي في مكسيك مع فيدل كاسترو ومجموعة متمردين كوبيين. واطلق سراحهم بعدشهرين.
1956-1965 الثورة الكوبية
بدءا من 1965 ارتمى تشي مع رفاقه في التحرير الوطنيلكوبا.
المقاتل …
يوم 2 ديسمبر 1956 غادر 82 رجلا السواحل المكسيكية علىظهر الباخرة جرانما وحطوا الرحال بشكل كارثي على سواحل كوبا شرق الجزيرة وتعرضوا فيالحين لمضايقات قوات باتيستا. وبسرعة لم يبق منهم غير 22 رجلا ونجحت المجموعة فيإعادة تنظيم نفسها في السيرا مايسترا وأحرزت نجاحاتها الأولى. وتعزز جيش المتمردينبعد بضع سنوات من المعارك بين عشرات من مقاتلي الغوار (حرب العصابات) و000 40 جندييشكلون جيش باتيستا.
وفي غشت 1958تسلم تشي قيادة كتيبة من 148 مقاتل وانتقل إلى مركز الجزيرة بهدف عزل مدينة سانتاكلارا.
استولت قوات الكوماندانتي تشي غيفارا على المدينة يوم 30 ديسمبر 1958. آنذاك جاء الهجوم الكبير بتقدم كتائب مقاتلي حرب الغوار نحو العاصمة هافانا. وانهارت الديكتاتورية وفر باتيستا من هافانا المشلولة بالإضراب العام: ودخلت قواتتشي و كاميلو سيانفويغوس العاصمة يوم 2 يناير 1959. انه انتصار الثورة الكوبية.
…وقائد الثورةالكوبية
قام تشي بدور متقدم في الحكومة الثورية. وضعت الحكومةإصلاحا زراعيا ونظمت نزع ملكية المنشآت الأمريكية ومصادرة المساكن وتوزيعها. وخصصتالثروات لتلبية الحاجات الاجتماعية. ووضعت برنامج صحة وتعليم لاسيما في مجال محوالأمية.
في نوفمبر 1959 كان تشي اولا رئيسا للبنك الوطني فأصاب الذهول عالمالمالية الدولية (الأوراق النقدية الكوبية موقعة باسم تشي ) وأصبح في فبراير 1961وزيرا للصناعة. فدفع تشي في اتجاه تصنيع عام لكوبا لكن واقع البلد ما كان يتيحالتقدم بالسرعة التي أراد. وكانت مواقفه بصدد التصنيع، وبشكل أعم حول ضرورة تنظيماجتماعي واقتصادي جديد، معروضة في مقالاته خلال السجالات العمومية التي تعارض فيهامع وجهات نظر أخرى قريبة من موسكو. يتعلق الأمر أساسا بخيار سياسي يهم تصنيعالاقتصاد. وعارض غيفارا بوجه خاص عملية دمج الاقتصاد الكوبي في إطار « القسمةالاشتراكية للعمل » المملاة من الاتحاد السوفيتي. وقام تشي بأسفار عديدة ناطقا باسمبلدان العالم الثالث في منظمة الأمم المتحدة ، وشارك في مؤتمر القارة الأمريكية فيبونتا ديل ايستي وفي المؤتمر العالمي للتجارة في جنيف. وزار جزائر بن بلة مراراعديدة وقاد الوفد الكوبي إلى احتفالات الذكرى 47 لثورة أكتوبر. وفي الجزائر مرةأخرى ألقى خطابا أساسيا انتقد فيه صراحة سياسة الاتحاد السوفيتي.
لكن ربما لميرضيه هذا الدور إرضاء تاما.
فبدعوته إلى تضامن كافة المضطهدين في العالم كانينوي المشاركة بنشاط في امتداد الثورة. وغادر كوبا في مارس 1965 متخليا عن كافةمسؤولياته الرسمية.
1965-1967 حياة في خدمة توسعالثورة
في 1965 و1966 سعى تشي إلىالمشاركة في تطور تجارب حرب غوار في افريقيا السوداء، في الكونغو البلجيكي(زايير). ومر بسان دومينغ ليلتحق فيما بعد ببوليفيا في نوفمبر 1966. وظهرت نوات مقاتلي حربغوار في منطقة ناشواسو.
قام تشي بإسقاط النموذج الكوبي على نطاق الكوكب: ستصبحسلسلة جبال الأنديز بمثابة سيرا مايسترا أمريكا اللاتينية. وسرعان ما تعرضت تلكالنواة لمطاردة من قوات مسلحة عديدة وتم عزلها بسرعة. وبقيت المجموعة في ظروف صعبةبعد امتناع الحزب الشيوعي البوليفي عن مساندتها. وخلال مواجهة يوم 8 أكتوبر 1967جرح تشي واعتقل مع اغلب رفاقه. وفي اليوم الموالي تم إعدامه بضغط من المخابراتالأمريكية .
ومن موته ولدت أسطورة من وضع حياته في خدمة وبين يدي الثورة لأجلالقضاء على كل أشكال الظلم.
واصبح وجهه رمزا للتمرد في كل مكان بالعالم. وُتستوحى من تشي صورة مقاتل حرب الغوار ذي اللحية والقبعة أكثر مما ُتستوحى أفكارهوكتاباته. ومع ذلك لم يستعمل تشي يديه لحمل السلاح فقط بل أيضا لنقل أفكاره إلىالورق.
فكر تشي غيفارا السياسي
الثورة
كانت الماركسية بنظر تشي نظرية للعمل الثوري قبل كلشيء. وقد تبنى فكرة ماركس: لا يكفي تفسير العالم بل يجب تغييره. وكان يعتبر، مستنداإلى لينين، إن دور الثوريين هو المساهمة في خلق شروط الاستيلاء الثوري على السلطة،وهذه هي الفكرة التي نجد عند تشي بصدد دور حرب الغوار.
فبنظره لا يمكن قضاءالوقت في انتظار استيفاء شروط الاستيلاء على السلطة كما كانت تفعل غالبية الأحزابالشيوعية بأمريكا اللاتينية، بل تجب المساعدة على خلق شروط الثورة. ولا يعني هذابأي وجه أن لتشي تصور إرادوي صرف للعمل الثوري لا يأخذ بالحسبان الشروط الاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية في المجتمع، بل طور فكرة استحالة تطور الثورة دون فعلالمنظمات الثورية والجماهير. وقد كان هذا التصور في قطيعة تامة مع تصورات غالبيةمنظمات اليسار التقليدي بأمريكا اللاتينية آنذاك، ولا سيما الأحزاب الشيوعية التيكان لها تصور للثورة على مراحل وكانت تنتظر يوم تستوفى فيه الشروط لطرح مشكلالاستيلاء الثوري على السلطة. بهذا المعنى يتعين فهم جملة تشي:« واجب كل ثوري ان يقوم بالثورة ». وتبنى تشي فكرة ماركس التيمؤداها أن تاريخ البشرية يتميز بكون البشر أنفسهم صانعيه وأن الثورة الاشتراكية هيبداية صنعه بوعي. ومن جهة أخرى يتعذر تحقيق الثورة والاشتراكية، بنظر تشي، دونتعبئة شعبية وليس فقط بطليعة ثورية تستولي على السلطة وتبني مجتمعا اكثر إنسانية. فبرأيه يستحيل أي تغيير حقيقي للمجتمع دون تدخل الجماهير. وتبنى صيغة تحرر العمالمن صنع العمال أنفسهم. وسيكون كامل نشاط تشي الثوري موجها بهذا الفكر السياسي التييمثل قطيعة مع التصورات القائمة في الحركة العمالية بأمريكا اللاتينية آنذاك.
يكمن تفسير تطور فكر تشي السياسي جزئيا في الأسفار التي قام بها في أمريكااللاتينية بين 1951 و1956. وكانت إقامته في غواتيمالا هامة من زاوية النظر هذه. فهناك شهد كيف تمت إطاحة حكومة البلد التي حاولت تطوير إصلاحا زراعيا، وذلك بتدخلعسكري مدعوم من الولايات المتحدة ومن جيش غواتيمالا. ويؤكد هذا أن الوصول إلى الحكمدون الإطاحة بالمجتمع القديم محكوم بالفشل. ليس التصور القائم على تحويل إصلاحيللمجتمع غير أوهام بنظره، فالقطيعة الشاملة، والثورية بالضرورة، مع النظامالاجتماعي القديم، هي التي تجعل تغييرا حقيقيا للمجتمع أمرا ممكنا.. وبعد بضع سنواتمن موت تشي كان المثال الشيلي هو أيضا منيرا.
فحكومة أليندي،الذي وصل إلىالسلطة بالطريق الانتخابي ، حاولت القيام بإصلاحات اجتماعية هامة لكن دون استنادفعلي إلى الجماهير الشعبية ودون تدمير جهاز الدولة القديم، أطيح بها بانقلاببينوشيه سنة 1973 ، وهو الانقلاب الذي دعمته ومولته وسلحته كبريات التروستاتالأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية.
أخيرا، لأجل فهم التصور الذي طوره تشيلثورتهم يجب إدراك أنه كان ذي رؤية واضحة لمكانة البرجوازية في بلدان أمريكااللاتينية. وكانت الأحزاب الشيوعية آنذاك تدافع عن وجوب قيام البرجوازية الوطنيةبالثورة وتطوير البلد مثل البرجوازية الفرنسية في 1789 قبل وضع الثورة الاشتراكيةعلى جدول الأعمال. أدرك تشي استحالة الدفاع عن هذه الرؤية الميكانيكية للثورة. فبرجوازية البلدان الخاضعة للسيطرة اختارت بشكل ممنهج الارتباط بمصالح الإمبريالية،و كانت ضد أي ثورة خوفا من ثورة شعبية تقوم بإصلاح زراعي وتمس المصالح الاقتصاديةللإمبريالية عبر تأميمات. بفعل عجزها عن تطوير ثورة ديمقراطية، الناتج عن كونهاتابعة، وخشيتها من ثورة ديمقراطية تمس مصالحها، لا تقوم برجوازية البلدان التابعةباي دور ثوري، لا بل هي تعارض الثورة. لذا لا يمكن، بنظر تشي، الوصول إلى إصلاحزراعي جذري وإلى النضال الفعال ضد الإمبريالية وتدخلها بأمريكا اللاتينية ولأجلالخروج من التخلف، إلا بالاستناد على الجماهير الشعبية، لاسيما الفلاحين الفقراءوالسير نحو ثورة اشتراكية. وهنا أيضا كان مثال الثورة الكوبية هو المغذي لفكر تشي. إذ واجهت هذه الثورة مجموع هذه المسائل فيما بين استيلاء الثوريين على السلطة سنة 1959 وسياسة التغييرات الاجتماعية التي طبقت فيما بعد وإعلان الطابع الاشتراكيللثورة عام 1961. ومن هنا انطرحت بالنسبة لتشي ضرورة ثورة اشتراكية على صعيد قارةأمريكا اللاتينية برمتها ومجموع العالم الثالث بوجه عام. يلتقي هذا التصور إلى حدكبير مع ذاك الذي دافع عنه تروتسكي والتروتسكيون ومؤداه ان مهام الثورة الديمقراطيةبالبلدان التابعة هي على كاهل الجماهير العمالية والفلاحية نفسها لأن البرجوازية،المستندة إلى الإمبريالية، لا تسير بها إلى النجاح. وعلى هذا النحو يتعين أن تكونالثورة دائمة وليست عبر مراحل بحيث تشكل الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكيةسيرورة واحدة.
نظرية عن حربالغوار
كان تشي مقتنعا بحتمية النضالالمسلح. وكان يدرك أن ثورة إشتراكية، أي ثورة تضع موضع الاتهام مصالح الطبقاتالحاكمة وسلطتها، لن تنتصر سوى بمواجهة جهاز الدولة القديم وتدميره. وسيكون وهماالإعتقاد أن الطبقات الحاكمة ستترك السلطة تفلت منها دون رد فعل. يتعين إذن علىالثورة أن تكون قادرة على الظفر عسكريا أيضا. علاوة على أن التاريخ أبرز مراراعديدة، في أمريكا اللاتينية، أن الجيش الوطني والقوى الامبريالية قد تتدخل لسحقالحركات الشعبية، وصولا حتى إلى فرض ديكتاتورية عسكرية. ومن جهة أخرى خبَر غيفاراذلك غداة إنزال وحدات من أتباع الديكتاتور السابق باتيستا، الذين سلحتهم الولاياتالمتحدة الأمريكية ودربتهم وأطرتهم، في Playa Gijon قصد إطاحة حكومة كاسترو فيأبريل 1961. وقد كان ما كسب تشي من تجربة خلال رحلاته في قارة أمريكا اللاتينيةبرمتها حاسما ومفيدا في النظر الى النضال الثوري بما هو نضال مسلح ايضا.
سوفيضع تشي، انطلاقا من تصوراته السياسية ومن دراسة حركات حرب غوار أخرى بالعالم،نظريته الخاصة بحرب الغوار. وهي ترتكز على فكرة أن جماهير الفلاحين المستغَلين هيمن يشكل في نفس الوقت حلقة المجتمع الضعيفة وقطاع السكان الذي يتعين على الحركاتالثورية الاعتماد عليه. ومن جهة أخرى، يعتبر من زاوية نظر الاستراتيجية العسكرية،أن القرى تقدم للثوريين مجالا ملائما (إمكانية إيجاد مخابىء، والانسحاب بعيدا عنمنال قوى القمع...) . ولا يمكن بنظره أن تحدث الثورة إلا إذا اجتمعت شروط عديدة،ألا وهي سياق سياسي واجتماعي ملائم، ووعي الجماهير بإمكانية التغيير و توقها إليه. أي أنه لا يعتبر حرب الغوار كفيلة وحدها بانتصار الثورة. كان تشي يرى أن تطور حربغوار في وسط ملائم يتيح ظهور شروط الإنتصار الثوري. إنها تقوم بدور حافز لتناقضاتالمجتمع بكشفها للطبيعة الحقيقية للسلطة وإمكانية النضال ضدها بفعالية.
لم يكنتشي يرى في حرب الغوار هذه طليعة تناضل منعزلة عن الجماهير. بالعكس يتوجب عليهاالاستناد على هذه الأخيرة، والظهور بمثابة المعبر عن نضالها الطبقي، واستقطابمقاتلين منها. تمثل حرب الغوار استمرارا مسلحا لنضال سياسي في المقام الأول.إندورها إذن سياسي بقدر ما هو عسكري، وتقوم فضلا عن عمل الدعاوة الكلاسيكي، بالدعاوةبالأفعال بإبراز عدم استقرار السلطة القائمة وباتخاذ تدابير ثورية في المناطق التييتحكم بها مناضلو حرب الغوار (نزع ملكية ، وتوزيع الأراضي على الفلاحين ،وتنظيمتعاونيات وبناء سلطة أخرى...). وتدريجيا تؤسس وضع سلطة مزدوجة بظهورها كسلطة بديلةعن السلطة القائمة. وللعلاقة التي تقيمها مع الفلاحين معنى مزدوج لأنها تتعلموتتكيف مع الوضع الحقيقي ومع مطالب الفلاحين. وعلى هذا النحو تميل أكثر فأكثر إلىتشكيل جسم واحد مع جماهير الفلاحين.
كان تشي فضلا عن ذلك واعيا بالدور الذييتعين على قطاعات المجتمع الأخرى أن تقوم به. وكان يدرك بوجه خاص أن على الطبقةالعاملة أن تلعب دورا مركزيا في النضال الثوري. وهكذا فإن تنسيقا بين مقاتلي حربالغوار والطبقة العاملة ضروري و يتيح معا إطاحة النظام و توحيد مجموع الفئاتالشعبية في النضال الثوري ( مثال فيتنام ). و للإضراب العام في وجهة النظر تلك دورمركزي. و كان نموذج الثورة الكوبية حاسما بالطبع، إذ أن الضربة القاضية على نظامباتيستا جاءت من الإضراب العام في فاتح يناير 1959.
المبدأ الأممي
لا يمكن فهم أممية تشي سوى على ضوء إنسانيته الثورية. فهو يرى أن وحدة مصالح المستغَلين في بقاع الأرض واقع له نتائج سياسية ملموسة. وكانيعرِف الأممي الحقيقي بما هو القادر على « إحساس القلق كلمااغتيل إنسان في مكان ما في العالم و التحمس كلما رفعت راية حرية جديدة في مكانما » وبما هو الذي يحس « بكل اعتداء ، وكل إهانة لشرفالإنسان وسعادته، بصفتهما إهانة لشخصه أيا كان موقع حدوثهما بالعالم ». وينبغي ممارسة هذا المبدأ الأممي وتطويره عبر تضامن ملموس بين الشعوب المناضلة ضدالإمبريالية وعبر مساعدة اقتصادية وعسكرية من البلدان الاشتراكية للشعوب السائرةإلى تحررها. وأوضح في « خطاب الجزائر» (فبراير 1965) كيف ينبغي على البلدانالاشتراكية ألا تقيم علاقات اقتصادية مع بلدان العالم الثالث على قاعدة علاقاتتبادل لامتكافئة قائمة على قانون القيمة. غير أن ذلك ما حدث، لاسيما في كوبا، فيإطار « قسمة العمل الاشتراكية » التي نظمها الكوميكون. كانت البلدان الاشتراكيةالمصنعة، لاسيما الإتحاد السوفيتي، تقيم علاقات تبعية اقتصادية قوية إزاء شركائها. وكان ستالين ينهج تلك السياسة بهدف تطوير تبعية البلدان الاشتراكية «للرفيق الأكبر» السوفيتي. وتدفع كوبا اليوم غاليا عواقب تلك السياسة.
وانطلاقا من أزمة الصواريخعام 1962 بوجه خاص، لما كان خطر تدخل أمريكي في كوبا داهما، اقتنع تشي أن الولاياتالمتحدة الأمريكية سوف تتدخل ضد كل ثورة في أمريكا اللاتينية. فطور انطلاقا من ذلكفكرة تضامن أممي وتصد منظم على مستوى أمريكا اللاتينية ضد الإمبريالية الأمريكية. وكان كذلك معنى التزامه في حرب الغوار ببوليفيا سنة 1967 التي اعتبرها نقطة انطلاقثورة على صعيد القارة. ولكن سرعان ما امتد تصوره للمبدأ الأممي إلى المستوى العالمي، وبوجه خاص مع مسألة دعم نضال الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية، لاسيمالحظة تشديد هذه الأخيرة تدخلها العسكري. وطور تحليله سنة 1967 في رسالة إلى منظمةالقارات الثلاث Tricontinentale حيث أوضح أن تدخل الإمبريالية في كل مكان بالعالميستدعي تصديا من الثوريين في نفس المستوى، ليس عبر مساعدة الدول الاشتراكية للشعوبالمناضلة وحسب، بل عبر تضامن أممي بين الشعوب التي عليها واجب محاربة الإمبرياليةفي أي مكان قصد إضعافها. كان تشي يرى وجوب مساعدة فعالة لفيتنام طليعة النضالالمناهض للإمبريالية. وصرح في مؤتمر ما بين القاراتIntercontinentale « فيتنام، فيتنامان، ثلاث فيتنامات،فيتنامات عديدة ذاك ما يحتاجه العالم !». والهدف إرغام الإمبريالية علىتشتيت قواها وعلى هذا النحو مساعدة نضال الشعب الفيتنامي بشكل ملموس. كان تشي يعيدالارتباط عبر هذا التصور الأممي مع الأهداف الأولى للأممية الشيوعية قبل أن تغدوأداة في خدمة سياسة الإتحاد السوفيتي الخارجية. وقد طبق تصوره بالدفع بحرب الغوارببوليفيا وبالمشاركة فيها، حيث كانت أحد أهدافها فتح جبهة جديدة ضد الإمبريالية.
وبعيدا عن منظور عالم- ثالثي محض للمبدأ الأممي، كان لدى تشي تصور مرتبط بتصورالصراع الطبقي على المستوى العالمي، حيث كان يرى أن المواجهة بين البروليتارياوالبرجوازية على الصعيد العالمي هي المحددة، وأن تضامنا بين بروليتاريا مختلفالبلدان ضروري، بما في ذلك بين بروليتاريا بلدان المتروبول الإمبريالية وبروليتاريابلدان العالم الثالث. على هذا النحو كان يتصور الثورة العالمية وإقامة الشيوعيةالتي لن تتحقق سوى على الصعيد العالمي. هكذا كان يعيد الصلة مع التصور الحقيقيلأممية الحركة العمالية.
فكر تشي الاقتصادي
بعد الثورة الكوبية، انطرحت مسألة تحقيق الاشتراكيةوإلاجراءات الاقتصادية اللازمة لبلوغها. و شارك تشي مباشرة في ذلك النقاش (كانحينئذ رئيس البنك الوطني ووزير الصناعة ). وتشكل فكره خلال النقاش الاقتصادي الذيشهدته كوبا عامي 1963 و1964. تناول ذلك النقاش المشاكل الاقتصادية بكوبا وكذلكمسائل ذات طابع نظري أكثر مرتبطة بتصور الاشتراكية. ودافع تشي عن تصوراته ضد الذينيدافعون عن النموذج السوفيتي.
وهنا انتسب تشي مرة أخرى إلى أفكار لينين. وتمثلالعنصر المحدد بنظره بخصوص كوبا في كون الثورة الاشتراكية انتصرت في بلد متخلف. ثمةإذا تناقض بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة في طور الانتقال إلى الاشتراكية. أيأنه يمكن اتخاذ إجراءات ملموسة وبرغماتية على المستوى الاقتصادي للتقدم نحو مجتمعإشتراكي. وبذلك يرفض كل تصور ميكانيكي أو دوغمائي للفكر الاقتصادي الماركسي، معتبراأن مقاربة ديالكتيكية للمسألة ( تفاوت علاقات الإنتاج والقوى المنتجة ) وحدها قادرةعلى تحديد السياسة الاقتصادية.
يتمحور فكر تشي الاقتصادي حول فكرة وجوب ميلالتدابير المتخدة على الصعيد الاقتصادي، خلال المرحلة الانتقالية، إلى تجاوزالرأسمالية و التقدم نحو مجتمع اشتراكي. بعد قول هذا كان واعيا أن هذا التغييريتطلب وقتا وأن بعض عناصر الاقتصاد الرأسمالي ستظل حاضرة خلال مرحلة بكاملها. وهكذالا يمكن لقانون القيمة الذي ينظم إشتغال السوق في النظام الرأسمالي أن يزول فورا،ولكن يجب أن تميل السياسة الاقتصادية المطبقة إلى إزالة علاقات اقتصاد السوق. كانيرى في مسألة التخطيط مسألة رئيسية. إذ أنها تمثل التدخل الواعي للإنسان في تدبيرالاقتصاد وتضع أسس مجتمع اشتراكي. وعلاوة على ذلك، يميز تشي بين التخطيط الممركزوالتخطيط البيروقراطي المطبق بالاتحاد السوفيتي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ، منوجهة نظر عالمية،كان تشي ضد تصور التخطيط الاشتراكي الذي دافع عنه الاتحاد السوفيتيبهدف تطوير تبعية كوبا، كالبلدان الأخرى « السائرة في فلكه» ، إزاء « الشقيق الأكبر » السوفيتي. إن مسألة الرقابة الديموقراطية، تلك المسألة الأساسية للانتقال إلىاقتصاد اشتراكي مسير ذاتيا، هي التي في الرهان. يوضح هذا الوجه من فكر تشي مواقفهبصدد الجزائر التي كانت، من نواح عديدة في وضع مماثل.
في تلك المرحلة، شاركإرنست ماندل، أحد أبرز قادة الأممية الرابعة، في النقاش الاقتصادي، مدافعا عن تصورلمرحلة الانتقال إلى الاشتراكية قريب من تصور تشي. أما في ما يتعلق بمسائلالميزانية وتمويل الأنشطة الاقتصادية، فقد كان تشي يتصورها في إطار التخطيط وعبرتدبير اقتصادي مراقب من هيئات مركزية.
الإنسانالجديد
كان تشي يقول: « من أجل بناءالشيوعية يجب تغيير الإنسان و القاعدة الاقتصادية ». ُطرحت خلال النقاشالاقتصادي في كوبا مسألة حفز البشر إلى النشاط الاقتصادي. و تواجه تصوران : تصورالحوافز المادية وتصور الحوافز المعنوية. وكان تشي معارضا للتصور الذي يعتبرالحوافز المادية ضرورية لإتاحة مستوى نمو اقتصادي من شأنه القضاءعلى أشكال السلوك الفردي القائمة في ظل الرأسمالية. و جلي بنظره أن تغيير السلوكالإنساني لا يصبح واقعا بين عشية وضحاها، بل لا بد من ارتباطه بالتغييرات البنيويةفي المجتمع. وهكذا قد يتيح التعليم ومشاركة الجماهير في الحياة الاقتصاديةوالسياسية والاجتماعية... تغيير سلوك الأفراد. كان واجبا إذن تأسيس مشاركة الناس فيالنشاط الاقتصادي إلى ابعد حد على حوافز معنوية، أي على مشاركة حقيقية في القراراتوفي التسيير الاقتصادي وعلى تطوير الوعي السياسي. وفي هذا الإطار يندرج، بنظر تشي،العمل التطوعي. إذ يرى فيه أولى الخطوات نحو مستقبل العمل في ظل الشيوعية. إنهمشاركة العمال الواعية في بناء الاشتراكية، ويجب أن يلغي فصل العمل اليدوي عن العملالذهني. وهنا أيضا توجد مسألة الرقابة الديموقراطية على سيرورة التغيير الاقتصادي،في صلب النقاش.
راهنية فكر تشي وحدوده
تتبنى منظمتنا السياسية أفكار تشي غيفارا. أولا، لأنهكان يرى في الثورة ، دون غيرها ، سبيل القضاء على البؤس والمعاناة والاستغلال. واليوم أيضا كيف يمكن الاعتقاد بإمكان خلاص، بالشمال كما بالجنوب، دون انتزاعبالقوة لسلطة هذه الأقلية التي تسبب معاناة غالبية السكان كل يوم. تعيش تلك الأقليةعيشة باذخة بفضل بؤس الآخرين وبطالتهم وتغتني على ظهر ملايين الأشخاص الذين يموتونجوعا.... كان تشي يري أن تغييرا شاملا هو الكفيل بوضع حد لحكم تلك الأقلية. ومازالحكمها مستمرا حتى الآن، مما يثبت أن فكر تشي ملائم وراهني.
شيوعي ثوري
وعلاوة على ذلك خلف تشي، بفعل عدم تبنيه برنامج موسكو،صورة شيوعي ثوري حقيقي نجح، في سنوات 60، في رد الاعتبار لمنظور مجتمع اشتراكي،وديموقراطي مسير ذاتيا، ومتحرر من ظل الستالينية.
لقد نجح تشي، بمثاله الخاص وبأفكاره، في تحديد أعباء عديدة تنيخ بثقلها على الحركة الشيوعية منذ سنوات 30، كثقلالبيروقراطية أو التخلي عن مشروع ثوري أممي حقيقي. ونجح تشي، من زاوية النظر هذه ،في فتح ثغرة في طوق الستالينية الحديدي.
غير أن حصيلة تجربته الخاصة، تبرز بخصوصهاذين الأمرين على سبيل المثال، حدود إقتراحاته لإيجاد أجوبة لذلك النوع منالمسائل.
حدود تصوره الغواريللثورة
شكل امتداد الثورة إحدى اهتمامات تشي الكبرى. وتشكلحياته الخاصة مثالا لذلك. كان يرى أن مصير الثورة في بلد ما مرتبط بمصير الثورةالعالمية. فلا يمكن لشعب أن يتحرر كليا إذا بقي شعب آخر مضطهدا في بلد آخر. وتؤكدالصعوبات التي اعترضت كوبا منذ الثورة صواب رأيه.
يتصور تشي امتداد الثورة تصورهللثورة نفسها أي على النمط الغواري. فبنظره يجب على نواة من مناضلي حرب الغوار انتشن هجوما عسكريا ضد الجيش وأن تستقطب مناضلين بقدر تنامي تأثيرها حتى النصرالنهائي. ترتكز نظريته على تصور عسكروي للغاية لنواة حرب الغوار هذه، المشكلة وفقنظام حياة وأخلاق خاصين. فقد كان يؤكد وجوب أن يولد « الإنسان الجديد » في الجبالعند مناضلي حرب الغوار. .
وطور تشي بالتعميم نظرية « بؤر» حرب الغوار، التيعليها أن تشعل نار الثورة بأمريكا اللاتينية، على صورة ما حدث خلال الثورة الكوبية.
ونحن لا نعارض مبدئيا هكذا تصور للثورة. إذ ساندنا نحن الشبيبة الشيوعيةالثورية والتيار العالمي الذي ننتمي إليه، أي الأممية الرابعة، مساندة نشيطة أحياناالعديد من حروب الغوار. ولكننا نعتقد أن تلك الأطروحة محدودة، وفي كل حال غير كافيةلرفعها إلى مقام نظرية عامة تتيح نجاح سيرورة ثورية.
نحن نؤمن بالنضال النشيطباتجاه الجماهير وداخلها، انطلاقا من مستوى وعيها وكفاحيتها الفعلية لأجل السعي إلىارتقائها إلى درجة تقرر فيها الجماهير نفسها حمل السلاح والاستيلاء على السلطة بوجهقمع قوى الدولة.
يستلزم ذلك العمل سياسيا في المصانع والأحياء والقرى لاقتراححلول لشرور المجتمع عبر مطالب وأساليب نضال. وفي تلك النضالات، سوف تغدو ضرورةالتنظيم والنضال معا وتغيير المجتمع أكثر وضوحا... وكذلك الجرأة وفائدة التسلحوالدفاع عن النفس.
يتمثل بنظرنا الخطر الرئيس المحدق بنواة حرب غوار، ُيراد أنتكون انطلاقا من الجبل نقطة الارتكاز الرئيسية لامتداد الثورة، في انعزالها عن بقيةالمجتمع، أي عن عمال المدن والشباب... وقيامها مقام نضالات الجماهير نفسها. ونحننعتبر فكرة «تحرر الجماهير سيكون من صنعها الجماهير نفسها » العنصر المركزي لكلإستراتيجية ثورية. ومن وجهة نظر هذه، ليست بعض حركات حرب الغوار أو النضال المسلحسوى كاريكاتورا مأسويا للانحراف الذي قد تشكله نظرية كفاح مسلح تخوضه نواة ثوريينعازمين. هذا ما يوجب على الثوريين المشاركة، مع الجماهير، في بناء أدوات النضال (جمعيات ونقابات وأحزاب..). ونعتقد من جهتنا أن بناء حزب ثوري ذي نفوذ جماهيري،منغرس بين الفلاحين والعمال والنساء والشباب والمهاجرين، هو الكفيل بربط حركةالجماهير نفسها بأهداف الثورة.
لقد ظفرتالثورة الكوبية لأن المدن انتفضت خلال إضرابات عامة. لكن الثورة فشلت في بوليفياعام 1967، لأن مجموعة تشي من مناضلي حرب الغوار ( نحو عشرين شخصا ) وجدت نفسهامنعزلة في مناطق قروية خالية بعيدا عن المراكز الصناعية الكبرى.لم يتحقق الارتباط،لاسيما في غياب حزب ثوري متصل ببنيات التنظيم الذاتي .
حدود « برنامج» تشي المناهضللبيروقراطية
كان تشي مناهضا للبيروقراطية بشكل «عفوي». فعندما كانفي حكومة كوبا الثورية، كتب وناضل ضد كل أشكال الامتيازات للذين يتقلدون مسؤولياتفي الحزب أو في الدولة أو في المنشآت.
يؤمن تشي بمسؤولية القادة الشخصية في تجنبأشكال الانحراف المؤدية إلى احتكار السلطة السياسية بيد أقلية و أعطى بنفسه مثالالا مأخذ عليه. وللأسف ليست إرادة تعيين « أكثر العناصر الثورية إخلاصا ونزاهة » فيتلك الوظائف ضمانة بحد ذاتها. فحتى أفضل تلك العناصر قد يُفسد لاسيما في وضعالحاجة.
إننا نرى أن المطلوب هو ضمانات سياسية غير فردية، أي رقابة ديموقراطيةدائمة على هيئات القيادة على جميع المستويات عبر:
انتخاب منتظم للمسؤولينالقابلين للعزل في كل لحظة أمام الجماهير.
بناء تنظيم شعبي دائم عبر لجان ومجالس مستقلة، فيالأحياء والقرى والمصانع والمؤسسات العمومية.
. ضمان الحريات الديموقراطية: حقالتعبير ( الشفهي والكتابي ) وحق التنظيم وتكوين نقابات وأحزاب.
وحتى في المجالالاقتصادي، ليس بالضرورة من ُيعتقد أنهم « الأفضل» لاتخاذ القرار أفضل بالفعل. ففيكوبا اتخذ « الاختصاصيون » قرارات بشأن الزراعة ( اختصاص قصب السكر أي أكثرالزراعات انتشارا بكوبا ) دون استشارة الفلاحين. ونتج عن ذلك إنهاك التربة وإضعافمعنويات الفلاحين، وحذرهم من السلطات... تتمثل الضمانة الوحيدة ،من وجهة نظرالتنمية، في مشاركة الجماهير الديموقراطية في الاختيارات السياسية والاقتصادية.
بعد 30 سنة، من اجل استمرار الحلم!
بعد ثلاثين سنة من اغتيال تشي، مازالت الرأسمالية معموكب بؤسها وعنصريتها وحربها حية. ويواصل أشخاص النضال في في عالم المجانين هذا،حيث كل شيء يدور بالمقلوب، و حيث تملك 300 عائلة تقريبا 80% من ثروات العالم. وبعدانهيار جدار برلين، وبينما يسعى أناس «عاقلون جدا » إلى فرض الرأسمالية وشريعةالغاب، كأفق مستحيل التجاوز، تظهر من جديد نضالات فاتحة ثغرة في تلك السيرورة التيتقود العالم إلى الكارثة. ومن بين أولئك المناضلين الذين يواجهون النيوليبراليةالظافرة، نجد عدة حركات منتسبة دوما إلى تشي..
لقد أضاءتالحركة الزاباتية بإقليم تشاباس بالمكسيك وميض أمل يشبت به العديد من المضطهَدين فيبقاع العالم، بحملها السلاح للتخلص من البؤس وديكتاتورية الحزب الثوري المؤسسيالمكسيكي PRI. وعلى طريق كفاح تشي، يطرح الزاباتيون من جديد مسألة حرب الغواروالنضال لتغيير المجتمع، والسعي نحو استخلاص الدروس من التجارب السابقة وإعادةتجديد الكفاح المسلح، وفقا لوضع سياسي جديد.
ومنذ سنوات عديدة يتعبأ الفلاحونعديمو الأرض بالبرازيل، ويواجهون البوليس والجيش للاستيلاء على أراضي كبار ملاكيالأراضي.
وفي السنة الماضية، قامت الحركة الثورية لتوباك أمارو MRTA بحجز مسؤليننهبوا البيرو كرهائن في سفارة.
بعد ثلاثين عاما، ترك لنا تشي أفكاره وكفاحه، فيسياق جديد. ومازالت صورته تتيح لنا الحفاظ على فكرة إمكانية النضال من أجل مجتمعآخر غير النظام الرأسمالي الحالي.
وفي فرنسا تسعى الليبرالية إلى فرض نفسهاعلينا وها هي البطالة والهشاشة في الموعد. إنه الوجه الحديث لاستغلال الشباب. وبوجهأنصار هذا « الفكر الوحيد» يجب القيام ب ديسمبر 1995 [2] جديد وتحرك « كلنا معا » جديد، يكون ظافرا هذه المرةحيث يفرض الشباب وكل أجراء القطاع الخاص والقطاع العام حقوقهمومطالبهم.
سيعتبرنا أنصار شريعة الأقوى والربح الأقصى مجرد حالمين. ربما! لكننا،بوجه الواقعية الحالية ليسار مزيف، سنواصل بإصرار رفع شعار تشي « لنكن واقعيين، لنطالب بالمستحيل !» لأن ما هو واقعي في هذاالمجتمع، و ضروري لنا، مستحيل قبوله من طرف المسيطرين. إن ما لا غنى عنه حاليا هوإعادة بناء مشروع ثوري مكيف مع حقبة شهدت فشل البلدان الشرقية. ويجب علينا، ونحننواصل تبني أفكار تشي، أن نساهم في إعادة ابتكار وإعادة بناء مشروع اشتراكي لتغييرالمجتمع !
ونستمر اليوم في الحلم مع الزاباتيين وآخرين عديدين، بأن شيئا آخرغير الكابوس الحالي ممكن، ونستمر في النضال في ذلك الاتجاه يوميا!
Comment